يحل له الإقامة مع الكفَّار، مع إمكان الفرار، وفيها قولٌ ثانٍ للمخزومي (?) وابن الماجشون: أنَّ له أن يهرب ويأخذ من أموالهم ما قدر عليه، ويقتل إن قدر، وإن ائتمنوه ووثقوا به واستحلفوه، فهو في فسحةٍ من ذلك كله، ولا حنث عليه في يمينه؛ لأن أصل أمره الإكراه، فهذا القول منصوصٌ فيه على توجيهه: وهو

مراعاة الإكراه؛ لأن الأسير مغلوبٌ، لا يملك من أمره شيئاً، فهو مكره لم يُعط ذلك عن اختياره، والمُكْره في سَعَةٍ مما أُكره عليه، فذلك هو العلة عندهم في استباحة ما رأوه مباحاً له. فأما قولهم في إباحة الهروب له فظاهر؛ لأنه واجبٌ عليه أن لا يقيم معهم، ولا وفاء بمعصية، وأما إباحة ما وراء ذلك من أموالهم، ودمائهم، بعد أن أخذوا عهده، واستحلفوه: فباطل، والوفاء عليه: واجب؛ لأنه لا ضرورة إلى ذلك، ولا حجَّة في أنه كالمكره على إعطاء العهد (?) .

خرَّج مسلم (?) عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلاّ أني خرجت أنا وأبي حُسيل (?) ، قال: فأخذنا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمداً؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا مِنَّا عهد الله وميثاقه: لننصرفنَّ إلى المدينة، ولا نُقاتل معه، فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفي لهم بِعهْدِهم، ونستعين بالله عليهم» . فهذا نصٌّ في لزوم الوفاء بالعهد في مثل ذلك، وإن لم يكن مختاراً.

قال الشافعي (?) : «إذا أمَّنوه؛ فأمانهم إياه: أمانٌ لهم منه، وليس له أن يغتالهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015