فالأظهر توقي استعمال ما لا يؤمن فيه إصابتهم، فإن علم أن ذلك لا يصيب الأسرى، فلا بأس، وذلك لأن حديث الصَّعب بن جثَّامة لم يجرِ فيه ذكر مُسلمٍ، إنما هو في نساء المشركين وأبنائهم، فلا يستباح بذلك الاجتراء في أمر المسلمين، وأظهرُ من هذا والأتمُّ حُجَّةً قول الله -تعالى- في تأخير القتال عن أهل مكة عام الحديبية {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح: 25] . فهذا نصٌّ في وجوب التَّوقِّي، فإن قيل: إنَّ ذلك خاصٌّ بأهل مكة، فهودعوى؛ لأن الله -تعالى- إنما جعل الحرمة في ذلك للإيمان لا للبلد، وهذا التفصيل والفرق الذي اخترناه إنما نَعْني به الحُكمَ في قتال الحصون، وحيث لا ضرورة تدعو المسلمين لكسر العدو ومدافعتهم (?) ، وأما عند لقاء جيوش المشركين، وفيهم أُسارى من المسلمين، فأرجو -إن شاء الله- أن يكون كل شيءٍ مما يُنْكَى به العدو سائغاً، سواء أُمن أن يصيب الأسرى من ذلك شيءٌ أوْ لا، إلا أنهم لا يُتَعَمَّدون، ويُتحفَّظ عنهم بقدر الوسع، وذلك أنَّ في الكفِّ عن القتال، وترك الدفاع في مثل هؤلاء الذين بَرزوا للمسلمين هلاكاً للناس، وتمكيناً لأهل الكفر من الإسلام {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: 141] ، وهذا كلّه ما لم يتترس الكفار بالمسلمين، فإن تترسوا بهم، بحيث لا يمكن قتالهم إلا من وراء قتل مسلم، فالأرجح الذي نختاره الكفُّ جُملةً، والقتال لا نراه على حال من غير تفصيلٍ في قتال الحصون أو الجيوش؛ لأن ذلك إن لم تكن ضرورة، فلا خفاء
به، وإن كانت ضرورة بحيث يُبْقي المسلمون على أنفسهم في الكفِّ عن القتال، فذلك -أيضاً- موجودٌ إذا قاتلوا بقتلهم المسلمين الذين تترس بهم العدو، من غير حقٍّ وجب عليهم مُبيحٍ لدمائهم، وليس لأحدٍ أن يقتل