كان كُفْرُهم تعطيلاً أو شركاً، وبإثباتِ النبوة والرسالة لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - على كل أنواع الكفر، من كان منهم يُقرّ لله، أو يُشركُ، أو يُعطِّل، والإيمانَ بجميع ما جاء به - صلى الله عليه وسلم -، وإبطالَ كل ما خالفه، فإذا هم أقرُّوا بذلك، صحَّ إيمانهم، ووجب الكَفُّ عنهم، فمن أبى بعد ذلك عن التزامٍ بشيءٍ من فروع الشريعة في حدود الإسلام، فإن كان جَحْداً؛ فهو ارتدادٌ، يُقتل على كل حال، إلا أن يُراجع الإسلام، وإن كان مقرًّا بثبوته ثم لا يفعله؛ فهو فاسق، وأحكام عقوبته تختلف بحسب الفرع الذي يترك.
وأما إن أبَوْا من قبول الإسلام على ما وصفناه، فمن كان منهم من أهل الكتاب: اليهود، والنصارى، أو المجوس؛ دُعوا إلى أداء الجزية بلا خلاف، فإن أجابوا إلى ذلك -على الشروط التي نذكرها إن شاء الله في (باب الجزية) -، قُبِل منهم، وحَرُمَ قتالهم، وكذلك لو كانوا هم الذين سألوا قبول ذلك منهم، وَجَبَتْ إجابتهم والكفّ عنهم، فإن لم يجيبوا إلى شيءٍ من ذلك، فقد وجب السَّيف.
وأمَّا إن كانوا من غير أهل الكتاب: اليهود، والنصارى، والمجوس، ففي قبول الجزية منهم خلاف؛ فمن رأى أنها تؤخذ منهم عَرَض ذلك -في الدعوة- عليهم، ومن لم يُجز قبول ذلك إلا من أهل الكتاب؛ لم يعرضه عليهم، ولم يجبهم
إليه إن سألوه.
والدليل على صحة ذلك كلِّه: ما خرَّجه مسلم (?) ، عن بُريدة، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميراً على جيش أو سريَّة، أوصاه في خاصَّته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: «اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفرَ بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغْدُروا، ولا تُمثِّلُوا، ولا تَقْتُلوا وَليداً، وإذا لقيتَ عدوَّك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو: خلال- فأيَّتهنَّ ما أجابوكَ فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم، ثم ادْعُهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكُفَّ