ثم قال: (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) .
وتيسير القرآن غير الآية والسفينة والغرق، ثم قال في آخرها: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (51) .
يعني أشياعَ أهلِ الكفرِ والخلافِ على النبيِ - صلى الله عليه وسلم -
وذلك غيرُ القصصِ الأولةِ فكأنّه قال: فهل من مدَّكرٍ منكم بما كان
من إهلاكي لمن كان قبلكم وأشياعكم.
فأما قولُه في مواضعَ من هذهِ السورة: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) ، فإنّه تعالى إنما قال ذلك لأنه أودعً في القرآنِ أقاصيصَ الأولينَ
وسيرَ المتقدمين، وما كان من تفضله على المؤمنين وإهلاكه للكافرينَ
بضروبِ الهلاكِ والانتقامِ، وقالَ عقيبَ كل قصةٍ من تلكَ القصص، ولقد
يسرنا لكم قراءةَ القرآن وحفظَ القصصِ المتغايرةِ التي أودعناها فهل من
مدكر، ومتعظٍ بتيسيرنا لذلكَ وسماعِه وحفظِه له.
وقد يقولُ القائل: لقد يسرتُ سبيلَ هذا البابِ من العلمِ فاسلُكه
واعرفه، ثم يقولُ في غيره أيضاً: ولقد سهَّلتُ لك هذا البابَ الآخرَ من
العلم فاضبطه وحصِّله ثم كذلك شأنُ ما نبَّه عليه وسهَّل السبيلَ إليه، وكذلك لما أودعَ اللهُ سبحانه كل شيءٍ من القرآن وموعظةً وقصةً غير الأخرى جازَ أن يقول: ولقد يسَّرنا القرآنَ الذي فيه ذكرُ هذه القصة فهل من مدّكر بها، ثم يقول: ولقد يسَّرنا أيضا القرآنَ الذي فيه ذكرُ القصة الثانية والثالثة وما بعدَها فهل من مدكر بذلك، وإذا كان هذا كذا لم يكن ذلكَ من المعنى والتكرار بسبيل.
وكذلك حكمُ قوله تعالى في الئمل: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)