وليس هو في مكانِ ولا تحويه الأقطار، فيقال لهم: هذا من المقدم المؤخر فكأنّه قال: إتي رافِعُك إليَّ ومتوفيك، والواو لا توجبُ الترتيب، وإنما توجبُ الجمعَ بينَ المذكورين، وقد قال قوم إنه أرادَ برفعه رفعَ درجته وتعظيمَ شأنه وتبليغه المنزلة التي مَن بلغها عَظُمت منزلته.

قالوا: وقولُه إليَّ، أي: إلى موضع كرامتي ومواضع أوليائي وهو بمثابة

قولِ إبراهيم: (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي) ، أي: إلى حيثُ أولياؤهُ

وحيث يُعبد ويُذْكر.

وقال أكثر الأمة: أراد بقوله: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ) أنّه رفَعهُ إلى السماء حيا.

وأنه لا يموتُ حتى ينزلَ فيصلِّي خلفَ المهدي، ويكون داعيا إلى شريعة

نبينا عليه السلام ومؤكداً لها غير داعٍ إلى شريعته، فأمَّا قولُه: (متوفيك) فقال أكثرُهم: مميتك بعد رفعك وإنزالك من السماء، وقال قوم: متوفيك بمعنى قبضتك إليَّ لا بمعنى الموت، قالوا: والتوفي القبض ولذلك قيل توفي زيد

إذا قُبِض، فبطل طعنُهم بما ذكروه (?) .

وقالوا: ومن الإحالة في الكلام قولُه عزَّ وجل: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) .

قالوا: وليس في العالم مكلَّف ولا غيرُ مكلَّف يَذْكُر أخْذَ مثلِ هذا الإقرار عليه، وإشهادَ اللهِ نفسَه على ذلك، ولو كان ذلك حقا وأمراً مأخوذاً عيناً لوجبَ عِلْمنا به وذِكْرنا له؟

وهذا باطل من تعلقهم من وجوه:

أحدها: أنه لا يجبُ ذِكْرُنا لأخذ الإقرار علينا، وإن كنا إذ ذاك عالمين

به، لأن اللهَ سبحانه أنسانا ذلك فأذهب ذِكرَه وحفظَه عن قلوبنا وَفَعَل من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015