وقد يجوز أيضا أّن يكون أُتزل عليه جملةً قصةٍ وعبادةً مجمَلةً أخرَ عنه
بيانها إلى وقت الحاجة،. وقد بيّن تفصيلَها وشرح تلكَ القصة في كتابِ
موسى، فقال له: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) يعني في شك من تفصيلِه، فارجع في ذلك إلى أهل الكتاب فإنني قد أنزلتُ تفصيلَ ذلك عليهم، وليس هذا من الشك في أن ما أُنزلَ عليه منزل من عند الله بسبيل.
وقد يجوز أن يكون أراد بقوله: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ) أي إن كان قومك أو
بعضُهم في شك فسل أهل الكتاب ليخبروهم بمثل ما تخبرهم به فيؤمنُ عند
ذلك من كان إخبارهم إياه به لطفا له، فيكون ذاكراً للنبي صلى الله عَليه
والمرادُ به غيره، وعلى نحو هذا ورد قولَه: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) .
الخطاب له في الظاهر والمرادُ به غيره الشاكُّ فزال بذلك ما قَدَحوا به (?) .
فأمَّا تعلُّقُهم بقوله عز وجل: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ)
وأنه مناقض لقوله: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ، فإنه باطل لأنه أراد بقوله ألفَ سنة، أن جبريلَ ينزل من السماء ويصعدُ إليها في
يوم، ومقدار سَيْره مسيرِةُ ألفِ سنةٍ من سني خمسمائة البشر في الدنيا، لأن ما بيننا وبينها مسيرةُ خمسمائة عام، فلذلك قال تعالى وهو أعلمُ: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، يعني مقدارَ سيركم له لو سرتموه ألف سنة، وقولُه: (فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) فإنما أرادَ به - وهو أعلمُ - يومَ القيامّة، وأن اللهَ سبحانه يحاسبُ جميعَ الخلق فيه، ومقدار حساب جميع الخلق لو تولاه غيرُ الله خمسينَ ألفَ سنة من أيام الدنيا، لذلك قال عز وجل في آخر الكلام: (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) ، لأنه يحاسب في ذلك اليّومِ وحدَه قدر زمنٍ تحاسبُ