والحجارةُ لا تبكي ولا تخشعُ إلا على التمثيلِ والتقديرِ والإخبارِ عن
عِظَم الأمر وأنه مما تُهَدُّ الجبالَ وتبكي له على وجه التعظيم للشأن.
وقال آخر:
ساجدُ المنْخَرِ لا يَرْفَعه ... خاشعُ الطرفِ أصمُّ المستمعْ
ولم يُرِد سجودَ الجبهة.
وقال أميةُ:
سبحانَ مَن سبَّحت طيرُ الفَلاةِ له ... والريحُ والرعدُ والأنعامُ والكفرُ
يعني بالكفرِ مواضع الرهبان، وهي الصوامع، وقال أيضا:
هو الذي سخَّرَ الأرواحَ ينشُرُها ... ويسجدُ النجمُ للرحمنِ والقمرُ
وإنما أراد بذلك ما قدَّمناه من الفاقة والحاجة إلى الصانع الحكيم.
ويمكن أيضا أن يكون إنما أراد بقوله: (يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) .
وقوله: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) ، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ) ، أي: لو رأى ذلك المسخَّر المتدبَّر بحالِه وحاجته إلى صانعٍ يقيمه لسجدَ لله ولسبَّحه ولهبطَ عندَ التأمل والفكرِ من خشية الله الخالق، كذلك لما في ذلك من أوضح الأدلة والبراهين، قال الشاعر:
أما النهارُ ففي قيدٍ وسلسلةٍ ... والليلُ في جوفٍ منحوتٍ من الساجِ
يعني بذلك أن مَنْ في النّهار وفي الليل على هذه الصفة واللفظ لِليْل
والنهار والمراد به غيرهما.