فإن قالوا: إذا أجزتم قراءةَ هذا الحرفِ بالجزمِ والنصب، وأجزتم أيضا
قراءةَ قوله: (إنَ هذان لساحران) ، تارة كذلكَ وتارةَ: "إنَ هذين لساحرانِ" "، فألا أجزتُم أيضا قراءةَ قوله: (والمقيمينَ الصلاة) ، بالرفع، وأن يَقرأوا:
إ والمقيمونَ الصلاة "، وكذلكَ فألاَ أجزتُم قراءةَ قولهِ: "والصابئونُ " بالنصب، وأن يَقرأوا: "والصابئينَ " منصوباً، وإن كانَ ذلكَ مخالفا لخط المصحَفِ، كما صنَعتم ذلكَ في "أصدقَ وأكن "، و "إنَّ هذين لساحران "، وإن خالفت القراءة خط المصحفِ حيثُ تكونوا قد أعطيتمُ القِياسَ حقّه ومضيتم مع موجبه.
يقالُ لهم: لا يجبُ ما قلتم لأجلِ أننا قد بيَّنَّا جوازَ قراءةِ الحرفينِ الأولَين
على الوجهينِ جميعاً، وبينا أن قوماً من السلف، وخلقاً من الخَلفِ قرأوا
بذلك، فاشتُهر عنهم وقامت الحجَّة ُ به من غيرِ تناكرِ ولا ترافع، وأوضحنا
ذلكَ بما يُغني عن رده، فوجبَ تجويزُ الوجهينِ جميعاً في "أصّدقَ وأكنُ ".
وفي "إنَّ هذين لساحرانِ"، ولم يُنقل عن أحدٍ من السّلف، ولا قامت الحُجّةُ
بأنّ أحداً منهم قرأ: "والمقيمينَ الصلاةَ" بالرفع، "والصّابئينَ بالنصب "، وهو
إذا قُرئ كذلك مخالف لخط المصحف، وإذ قُرئ على موافقة خط المصحفِ
فقدْ قُرىءَ بوجهٍ صحيحٍ جائز، وقد بينا صحته وسلامته لغيرِ وجه، فلا يُسوع لأحدٍ تركُ قراءتِهما على موافقةِ خط المصحفِ الذي قد نتفقُ أنه قد أنزل كذلك، وقُرىء بهِ إلى مخالفةِ الخط في المصحفِ الذي لا يُؤمن معَه أن
يكونَ اللهُ سبحانهُ ما أنزله على ذلكَ الوجه، وإن كانَ جائزاً سَائغا، وقد
أوضَحنا فيما سلفَ أن القِراءةَ تُثبت تارةً جوازَ ما بِخطِّ المصحَفِ ونقلهِ
والشهادةِ بصحّته، وتثبتُ تارةً بالنقلِ عن السلفِ وظهورِ القراءةِ للحرفِ بينهم، وإن خالفَ خط المصحف، فوجب لأجلِ هذه الجملةِ جوازُ قراءة ما قلناه على الوجهين جميعا، ولم يَجز قراءةُ: "والمقيمينَ الصلاةَ": "الصابئُونَ