قالوا: وهم إلى هذا الوجهِ أقربُ وهو بفعلِهم، وما أخبَروا به عن
أنفسِهم أشبه، لأنه قد رُويَ عنهُم روايةً ظاهرةً أنّ في القرآنِ لحنا، وأنّ
العَربَ ستقيمُهُ بألسِنتها، وأنّه مِن غلَطِ الكَاتب، واشتُهرْ ذلكَ عنهم في باقِي
الصّحابة، ثمَّ لم يُغيِّر قائلُ ذلكَ ولا سامِعهُ هذا اللحنَ ولا أسقَطوه، معَ
القُدرةِ عليه، والتمكُّنِ منه، فلا وجهَ لتركِهم ذلكَ إلا قصدَ العنادِ والإلباسِ
وإيقاعِ التّخليطِ والفسادِ في كتابِ اللهِ تعالى، وقد رَويتم أن عثمانَ لمَّا نُسخَ
مصحفُه ورُفع إليه نَظر فيه وقال: "أرى فيه لحناً وستُقِيْمُهُ العربُ بألسِنتها" (?) ، ورَوَيتم عن هِشامِ بنِ عُروةَ: "عن عائشةَ أنّها قالت: ثلاثةُ أحرفٍ هيَ في كتابِ اللهِ تعالى خطأٌ من الكاتِب: (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ، و: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ) في المائدة، و ((لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) .
فأيُّ عذرٍ للقَومِ في إقرَارهم هذا اللحنَ وتركهِ على حاله، وأيُّ مخرجٍ - لقائلِ هذا أو سَامعيه إذا لم يتسرعوا إلى تغييره وإنكارِه، وأخذِ الناسِ برسمهِ على وجهِ ما أنزلَ علمِه،. فلولم يدل على جهلِ القومِ وتخبيطهمِ وإدغالهمِ للدِّينِ ودخول الخللِ والفسادِ في الكتاب، وذهابِهم عن ضَبطه وقصدِ قومٍ منهم إلى تحريفهِ سوى ما وَصفناه، لكانَ كافيا لمن تدبر.