قالوا: ومما يدلُّ على تغييرِ القومِ للقرآنِ وإفسادِهم تأليفَه ونظمَه
وجهلِهم بترتيبه وتصدِّي بعضِهم إلى الإفسادِ والعِناد في ذلك، اتفاقُنا جميعاً
على أنّ القرآن نَزل مرتَباً ومكّياً أولاً ثمَّ مدنياً، وإنّ النّاسخ منه نزلَ بعد
المنسوخ، والمنسوخِ في الرُّتبة والتنزيلِ قبلَه، وإنّ القرآن أولاً نزلَ لم ينزلْ
قبلَه شيء منه، وإذا خُتم به لم يَنزلْ بعدَه شيء منه، وإن أبا بكرٍ وعمرَ
وعثمانَ ومن اتّفق معهم على تأليفِ القرآنِ خلَطوا في هذا البابِ فقذَموا
المدنى على المكى في التأليف، واللهُ تعالى قد رتَّبه بعدَه، وجعلوا النّاسِخَ
باتفاقٍ في كثيرٍ من المواضعِ قبل المنسوخِ به، واللهُ سبحانه قد أخبرَه عنه
وأنزَله بعده، ولم يبتدئوا في المصحفِ بما ابتدأ اللهُ سبحانه بإنزالِه ولا
جعلوا آخرهُ ما ختمهُ - به، وقد كانَ من حقِّهم والواجبِ عليهم أن يُرتبوهُ كما رتبه تعالى في التنزِيل، والتقديمِ والتأخير، ولما لم يفعلوا ذلك دل ما صنعوه على جهلِهم بتأليفه أو قصدِهم إلى التخليطِ والعِنادِ بإفسادِه وتأخير ما قدمه الله وتقديم ما أخره.
فيقالُ لهم: أما قولُكم إنَّ الله تعالى أنزلَ المكى قبل المدنى والمنسوخَ
قبلَ الناسخَ، وأنزلَ من القرآن أولاً لا شيءَ قبله وأخر منه لا شيءَ بعده
فصحيح لا خلافَ فيه بيننا وبينكم.
وأمّا قولكم إنه سبحانهُ وَرسوله صلى اللهُ عليهِ كذلك رتَباه في النظم والتأليف فدعوى مجردة تعلمون يقيناً أننا وجميعَ