واعلموا رحمكم الله أنه ليس المعتبرُ في العلم بصحة النقل والقطع على
ثبوته بأن لا يُخالف فيه مخالف، وإنما المعتبرُ في ذلك مجيئه عن قومٍ بهم
يثبت التواتر وتقوم الحجةُ، سواء اتُفق على نقله أو اختلف فيه، ولذلك لم
يجب الإحفال بخلاف السمنية في صحة الأخبار، وقولهم إنه لا يُعلم
بها شيءٌ أصلاً، ولم يجب أن يبطل النقل، أو يُشك في صحته بعد ظهوره
واستفاضته. وعدم الخلاف عليه إذا حدث خلافٌ في صحته لم يكن من قبله.
ولغير ذلك من الأمور، وإذا كان ذلك كذلك سقط ما فصّلوا به بين الأمرين.
فإن قال قائلٌ، ولو صرنا إلى أننا لا ندري أيضاً أن هذا هو مصحف
عثمان والجماعة على وجهه وتأليفه أم لا، ما الذي كان يمنعنا ويصدُّنا عن
ذلك؟
قيل له: يمنع منه أن فيه جحداً للضرورات، وأن قائل ذلك صائرٌ بمثابة
من جحد وجودَ عثمانَ في العالم، وأن يكون كان له مصحفا جمع الناس عليه، ومنعم من غيره، وأن يكون ولي الخلافة، وقُتل بالمدينة، إلى غير ذلك من
الجهالات، فإن نقل مصحفه بمثابة نقل وجوده وخلافته وقتله والفتنةِ التي