المصحف، وأخذ الناس بحفظه، ويعتذرونَ في ذلك بأنه مما أسقط.

ويعنون بذلك أنه أسقطه الناسُ من المصحف، وتركوا حفظِه وإثباتَه، لأنه لو

كان مثلُ هذا عذراَ في ترك حفظه وإثباته لكان لو أسقطَ الناسُ جميع القرآنِ

على هذا المعنى أو ثلثيهِ ونصفهِ على اعتماد إسقاطه والذهاب عن حفظهِ

وضبطه، أن يجب على من كان لُقنه وعرفه وحفظه أن يترُك قراءته وإثباته

ورسمه لأجل أن غيره من الناس عصى الله وأسقطه، وهذا جهلٌ لا يظنه

بالصحابة إلا غبيٌّ مغرور، فإن حالَ أدوَن المؤمنينَ منزلةً يرتفعُ عن هذه

الرتبة، فكيف بالصحابة في فضلهم وجلالة قدرهم وشدة تدينهم، وما

وصفهم الله تعالى به من أنهم خيرُ أمةٍ أُخرجت للناس، وأنهم يأمرون

بالمعروف وينهونَ عن المنكر، إلى غير ذلك مما وصفهم به، فبانَ بما

وصفناه أنه لا تعلق لهم في شيءٍ مما حكيناه من كل وَجْدٍ وطريق.

قال أبو عبيدِ عقِيب القراءاتِ الشاذة التي قدَّمنا ذكرَها، وهذه الآيات

التي ذُكرَ أنها كانت مما أنزل ثم رُفع وأسقط، وقد ذَكر في بابين شيئا كثيراً

قد ذكرنا بعضه، فقال أبو عبيد: " هذه الحروفُ التي ذكرناها في هذين

البابينِ الزوائد لم يَروْها العلماء، واحتملوها على أنها مِثلُ الذي بين

اللوحين من القرآن، ولا أنهم كانوا يقرؤون بها في صلاة، ولم يجعلوا من

جَحدها كافراً بما يقرأ في الصلاة، ويُحكم بالكفر على الجاحد لهذا الذي

بين اللوحين، وهو مما يثبتُ في القرآن الذي نسخه عثمانُ بإجماعٍ من

المهاجرينَ والأنصار وإسقاطُ ما سواه، ثمَّ أطبقت عليه الأمة فلم يُختلف في

شيءٍ منه، يعرفُه جاهلُهم كما يعرفُه عالمُهم، وتوارثه القرونُ بعضُها عن

بعض، ويتعلمهُ الولدان في المكتب، وكانت هذه إحدى مناقب عثمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015