يقولون: قالَه في كلمته، فعُلم أنّهم يعنونَ بالكلمةِ القصيدة، وشهرةُ هذا
عنهم يغني عن الاحتجاج له، وإن كان ما ذكرناه يزيلُ ريبَ من عُلمَ له
بجوامع كلام القوم، وكذلك إذا قالوا: قال المترسّلُ أو الخطيبُ في كلمته
كذا وكذا، إنّما يعنون به الخطبةَ والرسالة.
وإذا كان ذلك كذلك وثبتَ أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يُرد بقوله: أنزلَ القرآنُ على سبعةِ أحرف، حروفَ المعجمِ المصوّرةِ على المثالِ الذي يكون منها ألف وباء وتاء، لأنّ ذلك لا معنى له، لأنّه منزل إذاً على التسعةِ والعشرين، ولأنّ كلَّ مثالٍ منها حرف على الحقيقة إلاّ لامُ الألفِ لأنّها مؤلّفةُ من حرفين وأدخلت الألفُ في اللام، فصارت صورتها صورة لا.
وإذا كان ذلك كذلك وكان القرآنُ منزلاً بسائرِ حروفِ المعجم، فما
معنى حملِ الخبرِ على أنّه سبعةُ أحرفٍ منها، هذا ليس من كلام أهل العلم
والتحصيل بسبيل، ولا يجوزُ أن يكونَ المرادُ بذلك أنّه أُنزِلَ على سبعِ
كلماتٍ فقط، لأنّ الكلامَ المنزلَ أكثرُ من سبعِ كلماتٍ وسبعٍ وسبع بشيء
كثير، فما معنى تأويل الخبرِ على أنّه منَزل على سبعِ كلمات، هذا أيضاً مما
لا محصولَ له ولا تعلّقَ لأحد فيه.
فثبًتَ بذلك أنّ الأحرفَ السبعةَ التي ذُكرت إنّما هي سبعُ لغاب وسبعةُ
أوجهٍ وسبعُ قراءاتٍ مختلفات، والوجهُ والطريقة التي يكونُ الكلامُ وغيره
أيضاً عليها يسمّى في اللغة حرفا، قال اللهُ تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) .
ولم يُرد تعالى بذكره الحرف في هذه العبارة الحرفَ من حروف المعجم ولا أرادَ الكلمة، وإنما أرادَ وهو سبحانَه أعلم الوجهَ والطريقةَ التي تقعُ عليها
العبادة، وأنّ منهم من يعبد اللهَ على الخيرِ يصيبه والنماءِ في مالِه، وإكمالِ