كما أنّه لا بدَّ إذا بيَّن الآية َ إذا نزلت عليه في منزله لأهلِهِ وقرابته ومَن
حضره من الآحاد ِ مِن أن يبينه أيضا لغيرهم ومن أن يتحدَّث بذلك عنه، ومِن أن يَبْلُغَه الحديثُ به عنه ودعوى نزولِه له عليه، وأنّه ممّا ألقاه وبلغه حتى
يَبلُغَ مبلغا يزول معه الرَّيْبُ والشك في أنه مما أُنزلَ عليه وبلَّغَه، وإذا كان
ذلك كذلك سقطَ ما ظننتَه وبطلَ ما حاولتَه.
ونظيرُ هذا أنّنا إذا عرَفنا عدالةَ رجلٍ في وقتِنا هذا وطهارته وشدةَ تديُّنه
وحسنَ منسكه وعلمَهُ بقراءة الأئمة السبعة وأنه يُقرىءُ الناسَ بها، غيرَ أنّه لا
يجرِّدُ كلَّ حرفٍ منها ويفردُ للأخذِ عنه ولا يبينُ ذلك له ويفصِّلُه ويقولُ له:
هذا حرفُ فلانٍ وهذا حرفُ فلان وروايةُ فلان: لا يُمتنَعُ علينا مع ذلك أن
نعلم أنّ الحروفَ والوجوه التي يُقرىء بها هي الأحرفُ السبعةُ المشهورةُ
ويتيقنها، وإن كنَّا لا نعرفُ تفصيلَها ونعلمَ أنّه لم يفصلها للآخذين عنه، وأن
نعلمَ مع ذلك كذِبَ من يكذِبُ عليه وأضافَ إليه القراءة بالشَّواذ، ومما يُستنكَر ولا يجوزُ مثلُه ومما لم يُقرىء به أحدأ لأنّه وإن كان لا يجرِّد لكل أحدٍ عنه حرفاً واحداً يقرِئُه جميعَ القرآن به، فإنه مع ذلك قد اشتُهِرَ عند كل وجه
وحرفٍ مما يُقرىءُ به وعُرف من رأيه، فإذا أضيفَ إليه مع ذلك أنه يقرأُ أو
كان يُقرىء في أيامِ حياتِه قراءةَ ابنِ شُنْبوذ والشَواذَّ المنكرة، والقراءةَ المرويةَ
عن السبعة علمنا بكَذِبِ ذلك عليه لشهرةِ ما كان يقرىءُ به عنه والعدولِ عما سوى ذلك، وإن كان يُقرىءُ قراءة مختلِطةً ممتزجةً من قراءةِ جميع الأئمة.
وكذلك الرسولُ إذا كان لم يَمتْ حتى ظهرَ عنه وانتشرَ جميعُ الوجوه
والأحرفِ التي كان يُقرىء بها ويداومُ عليها ولا يُقرِىءُ بغيرِها لم يَسُغْ أن
يتَوَهمَ عليه متوهم صحة َ ما يُروى عنه أنّ ما كان يُقرىء به: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) .
وأنَّه كان يُقرىءُ: