القرآن كلفة إذا كان له خَلْطُهُ وتلاوتُه كيف شاء، ومما يدلُّ أيضا على صحة
ما قلناه ويؤكَده ما رواه عبد الرحمن بن حَرْملة عن سعيد بن المسيّب
قال: "مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بلالٍ هو يقرأُ القرآنَ من هذه السورة ومِن هذه السورة، قال: مررتُ بك يا بلالُ وأنت تقرأُ من هذه السورة ومن هذه، فقال: بأبي أنتَ يا رسولَ الله، إني أردتُ أن أخلِطَ الطيبَ بالطيب، فقال: اقرأ السورةَ على نحوِها"، يعني - صلى الله عليه وسلم -: على نظامِها وترتيبِها من غيرِ خلطٍ لآياتِها بغيرِ ما هو منها، وهذا نص على ما قلناه.
ومما يدلُّ على ذلك ويوضحه، أنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان ربما سهى وأسقطَ من تلاوته آيةً فيستعِيدُها ممن حَفظها عنه، وإذا أسقطَ آيةً وهو في الصلاة شعرَ بذلك مَن خلفَه، وكانوا يسألونه إذا فرغ ويقولون له: تركتَ آيةَ كذا يا رسولَ الله، ليتعلَّموا بذلك أنه قد سها، أو حدث نسخٌ أو رفع وتغيير، ولذلك قال له أُبيّ وغيرُه في مثل هذا: "يا رسولَ الله نسيتَ آيةَ كذا، فقال: "نُسيتُها"، ولو كان له أن يؤخرَ ويقدّمَ ويضعَ موضعَ الآية ِ
غيرها ويجعل بعض آيات السورة في غيرِها لساغَ له أيضاً أن يترك قراءةَ
بعضِ السور، ويزيدَ في ذلك ويُنقِصَ منه، ولم يكن لقولهم "نُسيت " أم
"نُسِخَت " معنىً، وكلُّ هذا يدلُّ دلالةً قاطعةً على أن الواجبَ رسمُ السورة
وتلاوتُها في الصلاةِ وغيرها على نظامِ آياتها وترتيبها.