(باب)
الكشفِ عن وجوبِ ترتيبِ آياتِ السور وأنّ ذلك إنّما حصلَ
بالنصِّ والتوقيفِ دونَ الاجتهاد وأنّه ليس لأحدٍ أن يَخلِطَ
آياتِ السُّورِ بغيرِها ولا يضعَ مكانَ الآية ِغيرَها مما قبلَها أو بعدَها
فإن قال قائلٌ: قد قُلتم في غير موضعٍ إنَّ ترتيبَ آيات السُّور فيها واجبٌ
وإنّ ذلك لم يكن إلا عن نص وتوقيف، فما الدليلُ على ذلك، وما الحجَّة ُ
في أنّه ليس لأحدٍ أن يَخلطَ في التلاوة بعضَ آياتِ السورةِ بغيرِها، وأن يقدِّم
من آياتِها المؤخر، ويؤخِّر المقدَّم؟
قيل له: يدلُّ على ذلك أمورٌ، أحدها: جميعُ ما قدَّمناه من الأخبار في
الباب الذي قبلَ هذا" لأنّ جميع ذلك يدلُّ على أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كان يأمُرُهم ويُوقِفُهم على إثباتِ آيات السورة وترتيبها، وأنّه ليس لهم في ذلك خيارٌ، ولا هو مما رُدَّ إلى آرائهم، فيجبُ أن تكونَ هذه حالَ التلاوة والدرس
ومما يدلُّ على ذلك أنّه لا يخلو أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه قد أخذ
على القَرَأةِ والكتبةِ أن يُرتِّبوا سورَ القرآن في الرسم والتلاوة، وضَيَّق ذلك
عليهم، وجعلَهم في فُسحةٍ من تقديمِ بعضِ الآيات ِ على بعض، وجَعلِ أول
السورة آخرَها وآخِرَها أولَها، وجَعْلِ شطرِها في غيرها وشطرِ غيرِها فيها،