وهذا هو المعتمد، لأن ذلك لو كان قرآناً على ما ظنه لوجَبَ ظهورُهُ

وانتشارُه ومعرفةُ الكافة به، وعُلِمَ أن هذا هو العادةُ في نقل ما يقتضي أحواله

تحزُكَ الدواعي والأسباب على نقلِه وإذاعتِه، فكلّ هذا يدل دلالةً قاطعةً على

أنّ القنوتَ ليس من القرآن بسبيل.

وأوّلُ ما نقولُ ما رُوي عن أُبيّ بعد تقريرِنا لهذه الدلالة على أن دعاءَ

القنوت ليس من القرآن في شيءٍ أنّ أحداً لا يقدرُ أن يرويَ عن أُبيّ لفظةً

واحدةً في أنّ دعاءَ القنوت قرآن نزَل، وإنما رَوى قوم عنه أنّه أثبتَ دعاءَ

القنوت في مُصحفِه، وإذا لم يقُل ذلك تصريحاً ولا حُفِظَ عليه ولم يكن

إثباتُه له في مُصحفه أو رقعةٍ من مصحفه يدل دلالةً قاطعة على أنّه يعتقدُ

كونَه قرآنا لما سنُبينُه فيما بعدُ: بأن بهذه الجُملة أنّه لا حجَّةَ لأحدٍ فيما يُروى

من إثباتِ أُبى لهذا الدعاء.

ثم إذا صرنا إلى القول فيما رُوِيَ عنه من إثباتِ هذا الدعاءِ في مصحفه

لم نجده ظاهراً منتشراً ولا مما يَلزَمُ قلوبنا العلمُ بصحته ويلزَمُنا الإقرارُ به

والقطعُ على أُبيّ بأنه كتبَ ذلك، بل إنّما يُروى ذلك من طُرقٍ يسيرةٍ نزرةٍ

روايةَ الآحاد ِ التي لا تُوجبُ العلم ولا تَقطعُ العُذر، ولا ينبغي لمسلمٍ عرفَ

فضل أُبى وعقله وحُسن هَدْيِه وكثرةَ علمه ومعرفتَه بنظم القرآن ووزنه وما هو منه مما ليس من جُملته: أن تُنسَبَ إليه أنه كتب دعاءَ القنوت في مصحفه أو اعتقد أنه قرآن فإن اعتقادَ كونه قرآنا أَبْيَنُ وأفحَشُ في الغلط من كتابته في

المصحف وأن يُقطع على أُبي الشهادةُ بذلك من جهة أخبار الآحاد ويُشهَد

بذلك عليه، ويُشهدَ به على مَن دونَ أُبيّ من العلماء المؤمنين، وإذا كان

ذلك كذلك وكنّا لا نعرفُ صحّة إثباته له بهذه الرواية: فسقطَ التعلق بها

سقوطا ظاهراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015