أول براءةَ دونَ غيرِها: لُطفاً لهم أو لبعضِهم، وأدعى الأمورِ لهم إلى

التصديق بالقرآن وتحفُظه والعملِ بموجبِه، وإعظام مؤدّيه ومتحمّله.

وقد يمكنُ أيضاً أن يكونَ إنّما أُسقطت في أول سورة براءة لأنّها نزلت

بالسيف والوعيد والتهديدِ والطردِ والإبعادِ والإخافةِ والإهانةِ، وكانت إنّما

تكتب في أوائل ما يتلى من السور على وجهِ الرفقِ والإيناسِ والتسكينِ

بالابتداءِ بذكرِ الله تعالى ووصفِ فضلِه ورحمتِه.

وممّا يدل على بطلانِ قول مَن زعمَ أنّ السلفَ أجمعوا على اعتقاد كونِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيةً أنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فيها معنى الرحمة

والأمان، وبراءة لم تجىءْ في هذا المعنى، وإنّما جاءت بضده ونقيضه.

فلم تكتب كذلك في أولِها، وقد روى علي بن عبد الله بن عباسٍ عن أبيه

عبد الله قال: سألتُ علي بن أبي طالب: لِمَ لم يكتب بين براءة والأنفال

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فقال: "لأنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أمانٌ، وبراءةُ نزلت بالسيف لا أمانَ فيها"، فهذا هو نفسُ التأويلِ الذي قلناه وعلِمَه الجمهورُ من أهل العلم، وإذا كان ذلك كذلك زال ما اعترضوا به.

ومما يدل على بطلان قول من زعمَ أنّ السلفَ أجمعوا على اعتقادِ كونِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أنها آية من الحمد ومن كل سورةٍ ما ظهرَ على ما

ذكر وانتشر من قول ابن عباس: "تركَ الناسُ آيةً من كتاب الله، وسرقَ

الشيطانُ آيةً من كتابِ الله "، وقد عُلِمَ أنّه لا يقول ذلك حتى يتركَ الناسُ

قراءة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ في فاتحة الكتاب وفاتحة كلّ سورة، ويكونُ

هو وحدَه هو المتمسك بذلك، هذا هو الذي يقتضيه ظاهرُ قوله: "سرقَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015