(باب)
ذكرِ اختلافِهم في عددِ الآي وتقديرِها
ومعنى وصفِها بأنها آية
فإن قالوا: كيف سُوع لكم أن تدَّعوا ظهورَ نقلِ القرآن وإذاعةَ الرسول
لشأنه وإشاعته وإقامةَ الحجَّة على المكلَّفين به ونحن نجدُهم يختلفون في
قدر الآية، فيَعُدُّ بعضُهم قدراً من الكلام آيةً ويُنكر ذلك غيرُه، ويَعُدُّ بعضُهم
السورةَ مائةَ آيةٍ مثلاً ويعُدُّها غيرُه أكثرَ من ذلك وأقل، وما ذكرتموه من
ظهورِ توقيفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - على بيانِ القرآنْ وكشفِ ترتيبه وتأليفه وأحكامه الواجبةِ له في حفظه وتلاوته، وإحصاءِ آياته، فوجبَ علمُ جميعِهم بذلك، وارتفاعُ النزاعِ بينَهم فيه.
يقال لهم: ليس فما وصفتموه قدح فيما قلنا ولا توهين لما ادعيناه
وبيناه، وذلك أننا إنما ادَّعَينا وجوبَ ظهورِ نقلِ ما فَرضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على الأمّة حفظَه وحَظَرَ عليهم الذهابَ عنه، وألزمه الله تعالى إشاعتَه وإذاعتَه، لتقومَ الحجَّة ُ به، وعُرِفَت عادتُه عليه السلامُ من إظهارِ البيان وشدَّة القصد، والإيثار له للكشف والإعلانِ به، وإذا كان ذلك كذلك وكنا لا نقولُ إن من هذا الباب عددَ آياتِ سُوَر القرآن وقدرَ ما هو آية من الكلام، بل نقول: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يَحُدَّ في عددِ آياتِ السُّوَر حدًّا، ولا وقفهم عليه في ذلك على شيء، ولا كان هو - صلى الله عليه وسلم - يَعُدُّ ذلك وإن جاز أن يكونوا هم قد كانوا يعُدُّون في عصره وعندَ القراءة عليه لأنفسهم،