الدلالة الأولى الأقوى: أنَّ تكملةَ الحديث فيه بيان للصحبة الشرعية، وأنَّها لا تُدرَك؛ لقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فلو أنفق أحدُكم مثلَ جبل أُحُدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه) .

فهذه هي الصحبة الشرعيَّةُ تماماً، وهي التي لَم يُدْرِكْها خالد بنُ الوليد، على فضله وبلائه وشجاعته، كما لَم يُدْرِكْها طبقةٌ كعمرو بن العاص ونحوه، فمن باب أولى ألاَّ يدركَها طلقاءُ مكة، ولا عُتقاءُ ثقيف، ولا الأعرابُ، ولا الوفودُ المتأخِّرون ونحوهم.

الدلالة الثانية: أنَّ خالد (كذا) أقرَّ بهذا ولم يقل: (يا رسول الله! أو لستُ من أصحابك؟!؛ لأنَّ خالد (كذا) يعرف الفرقَ بين الصحبة الشرعية التي قام عليها الإسلام، وبين الصحبة العامة أو اللاَّحقة التي يمكن أن يُطلق على أصحابها (التابعين) أيضاً.

الدلالة الثالثة: أنَّ قصَّةَ الحديث وقعت بعد فتح مكة، وبعد أن صحب خالد بن الوليد النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مدَّةً من الزمن، لكن لَم تشفع له في الحصول على فضيلة الصحبة الشرعية، فكيف بِمَن بعده؟!)) .

والجوابُ:

أنَّ قولَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا تسبُّوا أصحابي)) ـ والمرادُ به عبد الرحمن بنُ عوف وغيرُه مِمَّن تقدَّم إسلامُهم ـ لا يدلُّ على حصر الصحبة في عبد الرحمن وأمثاله، وإنَّما يدلُّ على مزيد فضلِ هؤلاء، وإن كان غيرُهم قد شاركهم في الفضل، مع التفاوت الكبير بين الصحابة في الفضل، قال شيخُ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (8/431 ـ 433) : ((ومِمَّا يبيِّن أنَّ الصحبة فيها خصوصٌ وعمومٌ، كالولاية والمحبة والإيمان وغير ذلك من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015