من قصر الصُّحبة على المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية وهو الذي من أجله أورد الآية، وسبق أن أوردتُ الأدلَّةَ الدالَّة على شمول الصحبة لكلِّ مَن صحبه أو رآه بعد الحُديبية إلى حين وفاته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الثاني: أنَّ الآيةَ دالَّةٌ على توبة الله عزَّ وجلَّ على مَن أسلم وهاجر إلى المدينة بعد الحُديبية وقبل فتح مكة، ومنهم أبو موسى الأشعري وأبو هريرة وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وغيرهم، وقد أخرجهم المالكي، وسبق أن ذكرت الأدلَّةَ الدالَّة على استمرار الهجرة المحمود أهلها إلى فتح مكة.

الثالث: أنَّ الآيةَ وإن لَم تنصَّ على التوبة على غير المهاجرين والأنصار، فليس فيها دليلٌ على حرمان الذين أسلموا بعد الفتح وخرجوا مع النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى تبوك من فضل الله ورحمته، بل قد ثبت في السُّنَّة الصحيحة حصول الأجر لِمَن لَم يخرج إلى تبوك بسبب العذر، تبعاً للخارجين إليها، فقد روى البخاري في صحيحه (4423) عن أنس رضي الله عنه: ((أنَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجع من غزوة تبوك فَدَنَا من المدينة فقال: إنَّ بالمدينة أقواماً ما سِرْتُم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلاَّ كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله! وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حَبَسَهم العُذر)) .

وروى مسلم في صحيحه (1911) بإسناده عن جابر رضي الله عنه قال: ((كنَّا مع النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزاة، فقال: إنَّ بالمدينة لرجالاً ما سِرتُم مسيراً ولا قطعتُم وادياً إلاَّ كانوا معكم، حبسهم المرض)) .

وبإسنادٍ آخر إليه، وفيه زيادة: ((إلاَّ شَرَكوكم في الأجر)) ، فلماذا تحجر الواسع؟! ولماذا البخل على أهل الفضلِ بما تفضَّل الله به عليهم مِمَّن كانوا معه في غزوة تبوك من الطُّلَقاء وغيرهم، وقد فاتتهم الهجرة، لكن لَم يَفُتهم الجهادُ والنيَّة والنَّفيرُ عند الاستنفار؟! فقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لا هجرة بعد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015