لأنَّ ذكره إيَّاه مصَدَّراً بهذا الحرف واضحٌ في عدم الجزم بصحبة هؤلاء، لكن التعريف الذي قال: إنَّه أسلمُ تعريفٍ ـ وهو في الحقيقة أفسدُ تعريفٍ ـ فيه الجزمُ بعدم صحبة مَن بعد الحُديبية، وكذا كلامه الأخير الذي ختم به الكتاب (ص:84 ـ 85) واضحٌ في قصر الصحبة على المهاجرين والأنصار إلى زمن الحُديبية.
ومِمَّا يوضِّح فسادَ تعريف الصحبة الشرعية المحمود أهلها، المثنى عليهم في الكتاب والسنة بقَصرِها على مَن كان قبل الحُديبية، أنَّه يخرُجُ بذلك جمعٌ كبيرٌ من الصحابة مشهورون كأبي هريرة رضي الله عنه الذي هو أكثرُ الصحابة حديثاً عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكأبي موسى الأشعري وخالد بن الوليد رضي الله عنهما، وغيرهم مِمَّن هاجر إلى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل فتح مكة وبعد الحُديبية، بل وكالعباس عم النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وابن عمِّه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وكلّ من هاجر إلى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل فتح مكة فهو من المهاجرين كما تقدَّم إيضاحُ ذلك بأدلَّتِه.
الثالث: وأمّا أبناءُ المهاجرين والأنصار فقد أخرجهم من الصُّحبة الشرعية التي خصَّ بها المهاجرين والأنصار قبل الحُديبية، فقال في (ص:28) : ((ولا يدخل فيهم ـ يعني الأنصار ـ أبناءُ الأنصار (الأطفال) ، كما لا يدخل في المهاجرين أبناءُ المهاجرين!)) ، وقال أيضاً في (ص:28) : ((ومنهم ـ يعني الذين اتَّبعوا المهاجرين والأنصار بإحسان ـ أبناءُ المهاجرين وأبناءُ الأنصار!)) ، وأكَّد ذلك في (ص:85 و87) .
أقول: أمَّا كونُ أبناء المهاجرين والأنصار من الذين اتّبعوهم بإحسان ففيه تفصيل، فمَن كان منهم رأى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو من أصحابه، ومن لَم يره منهم فإنَّه يكون من التابعين للصحابة بإحسان.