بقي بعد ذلك أن أُشير إلى أمورٍ:

الأمرُ الأوَّلُ: ما ذكره مِن أنَّ صحبةَ مَن رآه بعد الحُديبية ليست شرعية، وأنَّها كصحبة المنافقين والكفار، مردودٌ بأنَّ رؤيةَ الصحابة رؤيةٌ مع الإيمان به والتصديق بما جاء به، بخلاف رؤية المنافقين والكفار، وقد مرَّ في الدليل الثامن أنَّه لما قال للنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلٌ: يا رسول الله! أرأيت من رآك فآمن بك وصدَّقك واتَّبعك: ماذا له؟ فأجابه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: ((طوبى له)) .

وهو واضحٌ في الفرق بين رؤية الصَّحابيِّ المصدِّق للنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتَّبع له، ورؤية المنافقين والكفار، ومرَّ أيضاً في أثر المقداد ـ وهو الدليلُ الرابع عشر ـ قولُه رضي الله عنه: ((والله! لقد حضر رسولَ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقوامٌ كبَّهم الله على مناخرهم في جهنَّم؛ لَم يُجيبوه ولَم يصدِّقوه، أوَ لاَ تحمدون الله عزَّ وجلَّ إذ أخرجكم لا تعرفون إلاَّ ربَّكم، فتصدِّقون بما جاء به نبيُّكم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد كُفيتم البلاء بغيركم)) .

ومرَّ قولُ شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الدليل السادس:

((ولهذا لَم يُعتدَّ برؤية مَن رأى النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الكفار والمنافقين؛ فإنَّهم لَم يروه رُؤيةَ مَن قصدُه أن يؤمن به ويكون من أتباعه وأعوانه)) .

ومِمَّا تقدَّم يتَّضحُ بطلان تسوية المالكي بين صحبة مَن صحب النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد الحُديبية وصحبةِ المنافقين والكفار، {أَفَنَجْعَلُ المُسْلِمِينَ كَالمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} ؟!

الثاني: ما ذكره في الحاشية (ص:25) من قوله: ((وقد يدخل في مسمَّى (الأصحاب) مَن أسلم بعد الحُديبية إلى فتح مكة)) .

أقول: هذا الذي ذكره كلامٌ جميلٌ لو سلِمَ مِن ذكر ((قد)) في أوَّله؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015