البخاري في صحيحه عن مجاشع بن مسعود قال: أتيتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأخي بعد الفتح، فقلتُ: يا رسول الله! جِئتُك بأخي لتبايعَه على الهجرة، قال: ذهب أهلُ الهجرة بما فيها.
أقول: هذه (كذا) فيه دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ فتحَ مكة قطع الهجرة، ولا يحصل مسلمو الفتح على اسم الهجرة ولا فضلها حتى لو وفدوا إلى النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعلى هذا فلا يُسمَّوْن مهاجرين، وإنَّما يُسمَّوْن (الناس) كما في حديث (أنا وأصحابي حيِّزٌ والناسُ حيِّزٌ) ، أو يُسمَّون الطُّلَقاء، أو نحو ذلك!)) .
ثمَّ علَّق على هذا بقوله: ((وقوله: (ذهب أهلُ الهجرة بِما فيها) أي بِما فيها من فضلٍ وتسميةٍ وغيرِ ذلك مِمَّا هو من خصائص المهاجرين وفضائلهم)) .
وأقول: هذا واضحٌ في استمرار الهجرة ذات الثناء والمدح إلى فتح مكة، وهو خلافُ ما دندن حولَه من أنَّ الهجرةَ المحمود أهلُها تنتهي بصلح الحُديبية، وهذا الحديثُ قد أوردتُه قريباً من جملة الأدلَّة الدالَّة على استمرار الهجرة المحمود أهلُها إلى فتح مكة، وليس إلى صلح الحُديبية كما زعم، وقد وُفِّق هنا للصواب بتقرير أنَّ الهجرةَ تستمرُّ إلى فتح مكة، وإن كان ذلك بغير قصدٍ منه.
وأمَّا الأمورُ الأربعةُ الباقيةُ، وهي قصرُه الصُّحبةَ الشرعية التي جاء مدحُها في الكتاب والسنَّة على المهاجرين قبل الحُديبية والأنصار إلى زمن صلح الحُديبية، ونفي هذه الصحبة عن المهاجرين بعد الحُديبية، وعن الطُّلَقاء وعتقاء ثقيف وأصحاب الوفود وأبناء المهاجرين والأنصار، فيجاب عن ذلك بأنَّ هذا التقسيم للصحابة إلى مَن صُحبتُهم صُحبةٌ شرعيةٌ ومَن