وفي صحيح مسلم (131) عن زرٍّ قال: قال عليّ: "والذي فَلَقَ الحَبَّة وَبَرَأَ النَّسَمَة إنَّه لعهدُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إليَّ: ألاَّ يُحبَّني إلاَّ مؤمن، ولا يبغضني إلاَّ منافقٌ".

وبغضُ المنافقين للأنصار إنَّما هو لنُصرتهم النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لإظهار دينه، وهذا المعنى لا يختصُّ به الأنصار؛ فإنَّ المهاجرين هم أيضاً أنصارٌ، وقد جَمعوا بين الهجرة والنُّصرة، ولهذا كانوا أفضلَ من الأنصار، وقد وصفهم الله بهذين الوصفين في قوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ، قال الحافظ في الفتح (1/63) في شرح حديث حبّ الأنصار: " ... فلهذا جاء التحذيرُ من بغضهم والترغيب في حبهم حتَّى جعل ذلك آيةَ الإيمان والنفاق؛ تنويهاً بعظيم فضلهم، وتنبيهاً على كريم فعلهم، وإن كان مَن شاركهم في معنى ذلك مشاركاً لهم في الفضل المذكور كلٌّ بقسطه، وقد ثبت في صحيح مسلم عن عليّ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال له: (لا يُحبُّكَ إلاَّ مؤمن، ولا يبغضكَ إلاَّ منافقٌ) ، وهذا جارٍ باطّرادٍ في أعيان الصحابة؛ لتحقق مشترك الإكرام؛ لِمَا لهم مِن حسن الغناء في الدِّين، قال صاحب المفهم: وأمَّا الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغضٌ لبعضٍ فذاك من غير هذه الجهة (يعني النصرة) ، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة، ولذلك لَم يحكم بعضهم على بعضٍ بالنفاق، وإنَّما كان حالُهم في ذاك حالَ المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران، وللمخطئ أجرٌ واحد، والله أعلم".

وكتاب المفهم هو شرحٌ لصحيح مسلم، وصاحبُه أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي، وهو شيخ لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المفسر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015