بالعبادة والإلهية، والنفي والبراءة من كلِّ معبود دونه، وقد علم الكفار هذا المعنى؛ لأنَّهم أهلُ اللسان العربي، فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ".
وقوله (ص: 25) : "وإذا تقرَّرت هذه الأمور، فاعلم أنَّ الله تعالى بعث الأنبياءَ عليهم الصلاة والسلام من أوَّلهم إلى آخرهم يدعون العبادَ إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنَّه خلقهم ونحوه؛ إذ هم مُقرُّون بذلك كما قررناه وكرَّرناه، ولذا قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} ، أي: لنفردَه بالعبادة ونخصَّه بها من دون آلهتنا؟ فلم يُنكروا إلاَّ طلب الرُّسل منهم إفراد العبادة لله، ولم يُنكروا الله تعالى، ولا قالوا: إنَّه لا يُعبد، بل أقرُّوا بأنَّه يُعبد، وأنكروا كونه يُفرَدُ بالعبادة، فعبدوا مع الله غيرَه، وأشركوا معه سواه، واتَّخذوا معه أنداداً، كما قال تعالى: {فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، أي: وأنتم تعلمون أنَّه لا ندَّ له، وكانوا يقولون في تلبيتهم للحجِّ: (لبَّيك لا شريك لك إلاَّ شريكاً هو لك، تملكه وما ملك") .
وقوله (ص: 39 ـ 40) : "فهؤلاء القبوريُّون والمعتقدون في جُهَّال الأحياء وضلالهم سلكوا مسالك المشركين حذو القُذَّة بالقُذَّة، فاعتقدوا فيهم ما لا يجوز أن يعتقد إلاَّ في الله، وجعلوا لهم جزءاً من المال، وقصدوا قبورَهم من ديارهم البعيدة للزيارة، وطافوا حول قبورهم، وقاموا خاضعين عند قبورهم، وهتفوا بهم عند الشدائد، وتحروا تقرُّباً إليهم، وهذه هي أنواع العبادات التي عرفناك، ولا أدري هل فيهم مَن يسجد لهم؟ لا أستبعد أنَّ فيهم من يفعل ذلك، بل أخبرني مَن أثق به أنَّه رأى مَن يسجد لهم على عتبة باب مشهد الوليِّ الذي يقصده، تعظيماً له وعبادة، ويُقسمون بأسمائهم، بل إذا حلف مَن عليه حقٌّ باسم الله تعالى لم يقبلوا منه، فإذا حلف باسم وليٍّ