المسلمين من الافتتان بالقبور والاستغاثة بأهلها، وسؤالهم قضاء الحاجات وكشف الكربات، وأنَّ هذا من الشرك بالله، وهذا ما لا يريده المالكي الذي شنَّع على الإمام ابن تيمية في عنايته واهتمامه بتوحيد الألوهية، وقد مرَّ الردُّ عليه في ذلك قريباً.
وبراعة الصنعاني ـ رحمه الله ـ في استهلال كتابه واضحة جليَّة في الدلالة على المقصود؛ حيث قال في مطلع كتابه: "الحمد لله الذي لا يقبل توحيد ربوبيَّته من العباد حتى يُفردوه بتوحيد العبادة كلَّّ الإفراد، ومن اتِّخاذ الأنداد، فلا يتَّخذون له ندًّا، ولا يدعون معه أحداً، ولا يتَّكلون إلاَّ عليه، ولا يفزعون في كلِّ حال إلاَّ إليه، ولا يدعونه بغير أسمائه الحسنى، ولا يتوصَّلون إليه بالشفعاء {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ".
وأنا أنقل من هذا الكتاب جُملاً تُبيِّن أنَّ الصنعانيَّ في واد والمالكي في واد آخر، فمن ذلك قوله (ص: 17 ـ 18) : "فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد، وجب عليَّ تأليفُه، وتعيَّن عليَّ ترصيفُه، لِمَا رأيته وعلمته من اتِّخاذ العباد الأنداد، في الأمصار والقرى وجميع البلاد، من اليمن إلى الشام ومصر ونجد وتهامة وجميع ديار الإسلام، وهو الاعتقاد في القبور، وفي الأحياء مِمَّن يدَّعي العلم بالمغيَّبات والمكشفات وهو من أهل الفجور، لا يحضر للمسلمين مسجداً، ولا يُرى لله راكعاً ولا ساجداً، ولا يعرف السنَّة ولا الكتاب، ولا يهاب البعثَ ولا الحساب، فواجبٌ عليَّ أن أُنكرَ ما أوجب اللهُ إنكارَه، ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب اللهُ إظهارَه".
وقوله (ص: 24) : "ثمَّ إنَّ رأسَ العبادة وأساسَها التوحيدُ لله، الذي تفيده كلمته التي إليها دعت جميع الرسل، وهي قول لا إله إلاَّ الله، والمراد اعتقاد معناها والعمل بمقتضاها، لا مجرَّد قولها باللسان، ومعناها إفراد الله