من اللفظ، وإنَّما يُقال: تبيَّن فيما بعد عند وفاة زينب رضي الله عنها أنَّ ما فهمنه لم يكن مطابقاً لما أراده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتبيَّن أنَّ ما ذكره المالكي من الخطأ في الفهم في المثالَين المذكورين أنَّه ليس بخطأ كما زعم.
5 ـ نعم! لم يقل الصحابةُ للتابعين: لا تفهموا النصوصَ إلاَّ وفقاً لفهمنا، وإنَّما يُبيِّنون لهم الخطأ في الفهم، ومن أمثلة ذلك ما روى البخاري في صحيحه (4495) بإسناده إلى هشام بن عروة، عن أبيه أنَّه قال: "قلت لعائشة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السنِّ: أرأيتِ قول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، فما أرى على أحد شيئاً أن لا يطوَّف بهما، فقالت عائشة: كلاَّ! لو كانت كما تقول كانت: فلا جناح عليه أن لا يطوَّف بهما، إنَّما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يُهلُّون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرَّجون أن يطوَّفوا بين الصفا والمروة، فلمَّا جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ".
وتأمَّل قول عروة ـ رحمه الله ـ فيما مهَّد له من العذر لخطئه في الفهم بقوله: "وأنا يومئذ حديث السنِّ"، يتبيَّن لك أنَّ حداثةَ السنِّ مظنَّةُ الخطأ في الفهم، والمالكي ومعه الأربعة الذين شاركوه في الضلال الذين أوردهم في آخر كتابه حُدثاء الأسنان، ولم يكن المالكي مخطئاً في أباطيله التي اشتمل عليها كتابُه هذا وغيره مِمَّا زعمه بحوثاً، ليس مخطئاً فحسب، بل هو من الخاطئين.
وأيضاً فإنَّ الصحابة يُرشدون التابعين وغيرَهم إلى الائتساء والاقتداء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي جامع بيان العلم وفضله (2/97) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "مَن كان منكم متأسِّياً فليتأسَّ بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛