عمارتها أمر بإحراقها1 بغير علة موجبة ولا غرض صحيح فإن العقلاء يلومونه، ولو اعتذر إليهم أن ذلك ملكي لم يعذروه ولعد2 ذنباً آخر يستوجب عليه الملامة، وكذلك لو أخذ ماله فألقاه في البحر لغير مصلحة يجتلبها ولا مضرة يدفعها، فإن العقلاء يلومونه ولا يقبلون عذره (بأنه ملكي) ، فإذا لم يكن للمالك في الشاهد أن يتصرف فيما ملكه كيف شاء إلا بشرط أن يكون هناك غرض صحيح ثبت أن تعليلهم3 بالملك تعليل باطل.

والجواب أن يقال لهذا المخالف: جمعت بين حكم ملك الله وبين حكم ملك العباد من غير علة تقتضي الجمع بينهما، وهذا لا يصح، ثم يقال له: الله مالك العباد ولجميع ما خلق من غير مُمَلِّك ملكه إياه، فله أن يتصرف به كيف شاء.

والعقلاء مملوكون له وليس للمملوك أن يعترض على مالكه بما صنع، وليس كذلك العباد فإن ملكهم صدر عن مالك لهم مَلَّكَهم أموالهم، وحدّ لهم فيها حدوداً ورسم عليهم فيها رسوماً فإذا فعلوا فيها غير ما أذن لهم فيها مُمَلِّكهم لحقهم الذم والتوبيخ والتعنيف، والحسن والقبح يتصور في أفعالهم لأن لهم محسناً حسنها وهو ما أذن لهم فيه، ومقبحاً قبحها لهم وهو لم يؤذن لهم فيه4 فبان الفرق بينهما.

وأيضاً فإن المالك منا به حاجة إلى ما يملكه لاستقامة جسمه وقوام أمره فلذلك لحقه اللوم والتعنيف إذا عمل فيه ما لا مصلحة له، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015