الأرْضِ} 1 ومعناه سأمنع قلوبهم وأدفعها عن العلم والتفكر في آياتي. وقوله: {الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ} أي الذين يرون أنهم أفضل الخلق، وأن لهم ما ليس2 لغيرهم وهذه الصفة لا تكون إلا الله، إلى قوله {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} ومثلها قوله تعالى: {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} 3، فأخبر الله سبحانه أنه صرف قلوبهم عن فهم القرآن فلم يفقهوه لذلك، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} 4، فنسب الزيغ5 الأول إليهم لكونه كسباً لهم ووقوعه بمشيئتهم، ومشيئتهم متعلقة بمشيئة الله لقوله تعالى {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} 6، ونسب الزيغ الثاني إلى نفسه ونسبه إليه لكونه خالقاً له، والزيغ الواحد لا يجوز أن يكون بعضه خلقاً لهم وبعضه خلقاً لله، لأنهم لا يقدرون على تمييز ما خلقوا7 من الزيغ عما خلقه الله فيهم منه.

وأما قول المخالف: إن هذا الاستدلال بالعكس وهو غير صحيح، جهل منه بوجوه الاستدلال، والاستدلال8 من محاسن الشرع قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} 9، وهذا الاستدلال بالعكس لأنه أخبر أن عدم وجود الاختلاف فيه دليل على صحة أنه من الله، وكذلك قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} 10 فعدم الفساد فيهما يدل على أن المدبر لهما واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015