استحباب العمى إليهم لأنه كسب لهم، ولأنهم محل لخلق ذلك فيهم، ولم يرد الهداية التي هي اللطف والتسديد، لأنه لو هداهم لاهتدوا كما أخبر في قوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ} 1.
وأما قوله: الهداية التي هي بمعنى الزيادة والتسديد وهي تختص بالمهتدين، فإذا وافقت أن الله يخلق الهداية في قلوب المهتدين ويكون ذلك إنعاماً منه عليهم وتفضلاً لاهتدائهم أولاً بأنفسهم، قلنا لك: فلا يمنع أن ينعم الله عليهم أولاً بخلق الهداية في قلوبهم، لأن الموصوف بالهداية في الاستدامة والانتهاء كان موصوفاً بابتداء الهداية لهم، ونقول: لولا هداهم الله أولاً لما اهتدوا لقوله تعالى: {مَنْ يَهْدِ2 اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} 3 ويرد بالهداية هاهنا اللطف في4 التسديد والتأييد الذي يختص بالمؤمنين، ويدل على صحة قولنا قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ} 5 ولا يمكن استعمال هذه الهداية على البيان والدلالة، بل هداية الإرشاد والتوفيق فقد خص بها من يريد.
وأما قوله: في الهداية التي بمعنى الثواب في الآخرة فلا دليل له على ذلك، ولا نسلم له احتجاجه على ذلك بقوله: {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} 6 أنه أراد الثواب، بل المراد به: الإرشاد والتسديد بدليل قوله: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} وهذه صفة إنعامه عليهم في الدنيا، وقوله: {وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّة} إخبار منه عن إنعامه عليهم في الآخرة، والنعم على العبد في الدنيا والآخرة من الله يختص بها من يشاء من عباده كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} 7 وقال: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} 8 ولو كانت الهداية التي هي التوفيق والتسديد