لا حجة بهذه الآية1، لأن الله سبحانه إنما ثبطهم وكره انبعاثهم لأن خروجهم لم يكن للجهاد، وإنما كان غرضهم المعاندة والفساد، ولهذا قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً…} إلى قوله: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً} 2.
والجواب أنا نقول: الحجة لنا في أن الله أمرهم بالخروج ولم يرد خروجهم لأنه ثبطهم عنه ولم يقدرهم عليه، وإن كان المعنى الذي ثبطهم لأجله هو ما ذكرت3 من خروجهم للفساد فقد حال بينهم وبين ما أمرهم به بتثبيطه لهم، وهذا موافق لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} 4. وهذا كقوله تعالى: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} 5 وقوله: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ} 6.
استدل المخالف على أن الله لا يأمر إلا بما يريد وقوعه: أن صيغة الأمر وهو قوله: افعل، قد يرد والمراد به7 الأمر، ويرد والمراد به التهديد، ويرد والمراد به الإباحة، وترد والمراد بها التصغير والتحقير كقوله {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُون} ِ8. ولا بد من مخصص يقتضي كون هذه الصيغة أمراً وليس ذلك إلا كون الآمر مريداً لحدوث المأمور به9.