ما قلنا من هذا في رواة الحديث ونقال الأخبار فهو موجود مستفيض، ومما ذكرت لك من منازلهم في الحفظ ومراتبهم فيه، فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا، وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا واتقانا لما يحفظ وينقل، إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله، فكيف بمن وصفت لك ممن طريقه الغفلة والسهولة في ذلك.
ثم أول ما أذكر لك بعد ما وصفت مما يجب عليك معرفته قبل ذكري لك ما سألت من الأحاديث: السمة التي تعرف بها خطأ المخطىء في الحديث وصواب غيره إذا أصاب فيه: فاعلم - أرشدك الله - أن الذي يدور به معرفة الخطأ في رواية ناقل الحديث إذا هم اختلفوا فيه من جهتين: أحدهما أن ينقل الناقل حديثا بإسناد فينسب رجلًا مشهورا بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته، أو يسميه باسم سوى اسمه، فيكون خطأ خفي على أهل العلم حين يرد عليهم: كنعمان بن راشد حيث حدث عن الزهريّ فقال: عن أبي الطفيل عمرو بن واثلة، ومعلوم عند عوام أهل العلم أن اسم أبي الطفيل عامر لا عمرو، وكما حدث مالك بن أنس عن الزهريّ فقال: عن عباد وهو من ولد المغيرة ابن شعبة، وإنما هو عباد بن زياد بن أبي سفيان معروف النسب عند أهل النسب وليس من المغيرة بسبيل، وكرواية معمر حين قال: عن عمر بن محمَّد بن عمرو بن مطعم، وإنما هو عمر بن محمَّد بن جبير بن مطعم، خطأ لا شك عند نساب قريش وغيرهم ممن عرف أنسابهم، ولم يكن لجبير أخ يعرف بعمرو.
وكنحو ما وصفت من هذه الجهة من خطأ الأسانيد فموجود في متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفهم حين يرد على سمعه: وكذلك نحو رواية بعضهم حيث صحف فقال: نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التحير، أراد: "النجش". وكما روى آخر فقال: إن أبغض الناس إلى الله عز وجل ثلاثة: ملحد في الحرفة وكذا وكذا. أراد: ملحدا في الحرم. وكرواية الآخر إذ قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تتخذ الروح عرضا، أراد الروح غرضا.