وحكى بعضهم قال: لما التقى الجمعان نظر دبيس فرأى الخليفة على تل ومعه السواد من القضاة والفقهاء والقرّاء والأشراف فقال: لعلّهم سمعوا أن عندي إملاكا فقد جاءوني بهذه الطيالسة والله لأنسينّ الكشاخنة «674» نوبة البساسيري ولأجعلنّ لحاهم كلها براجم وما استتم كلامه حتى نصر [هم] الله عليه ثم أنزل سكينته على خليفته وأشياعه وأجراهم على جميل عوائده فهزموهم بإذن الله. والتفت المسترشد باللَّه إلى وزيره وقال له: هذا بيمن نقيبتك يا نظام الدين.
وعاد الخليفة من تلك الوقعة ودخل بغداد في يوم الأحد عاشر المحرم سنة سبع عشرة وخمس مائة. فكان مضيّه وعوده في سبعة عشر يوما [110 أ] .
[وفي سنة عشرين وخمس مائة عزم السلطان مغيث الدنيا والدين أبو الثناء محمود ابن ملك شاه على دخول بغداد «675» ، فنفذ إليه المسترشد بسديد الدولة ابن الأنباري «676» يقول له: إن العراق بعد ما خرّبها دبيس بن صدقة لا تفي بى وبكم فإما أنا أو أنتم، وعندي عساكر وأحتاج إلى الإنفاق عليهم ومعكم عساكر والبلاد خراب لا تفي بالجميع فعاد الجواب: لا بد من الدخول. وتردّد سديد الدولة دفعات من بغداد إلى همذان في هذا المعنى وما أجابوه. وصار العامة يغنّون في الأسواق:
يا جلال الدين ذا شرح يطول ... وابن الأنباري فما يرجع رسول
والقرايا كلها صارت تلول ... تزرع الكرّ وتحصد كارتين
ولما علم الخليفة بهجومهم على البلد خرج من داره في ذي الحجة سنة عشرين وخمس مائة وعسكر بالجانب الغربي وخطب في يوم عيد النحر وصلّى بالناس [110 ب] وجاء السلطان محمود ونزل بالجانب الشرقي، ثم وقع الصلح بينهم في المحرم سنة إحدى وعشرين وخمس مائة.
وفي رجب سنة اثنتين وعشرين وخمس مائة مات الوزير جلال الدين أبو عليّ ابن صدقة. واستوزر الخليفة شرف الدين أبا القاسم عليّ بن طراد الزينبي ولقبه معزّ الإسلام عضد الإمام سيد الوزراء، صدر الشرق والغرب.