النصوص النبوية والأدلة العقلية وإجماع الصحابة الذين عاشوا أيام الرسالة على أنه لا يجوز العمل بحكم مّا إلا إذا كان له أصل يدل عليه دَليل من الأدلة التي قررها أئمة الفتوى مصدراً للاستدلال, ومن ذلك الحداد في العصر الحديث فانه لا دليل على جوازه ولا إباحته ويظهر ذلك فيما يأتي:
1 ـ لا ريب أن الحداد لا يشرع إلا للمرأة في حق زوجها أو قريبها الميت, وقد دلّ الدليل من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة على أنه ليس لغير المرأة أن تحد على ميت بل ذلك خاص بها, فالأحاديث الصحيحة التي تم ثبتها قريباً كلها تنهى عن الحداد وتحذر منه إلا في حق الزوجة فإنها تحد على زوجها أربعة أشهر وعشراً كما جاءت الرخصة عنه صلى الله عليه وسلم للمرأة خاصة أن تحد على قريبها ثلاثة أيام فأقلو كذلك الآيات القرآنية التي تفيد إيجاب العدة على المرأة المتوفى زوجها قاضية بعدم جواز الإحداد من غيرها, وكذلك إجماع الصحابة الذي تم ثبته قريبا.
أما ما سوى ذلك من الحداد فهو ممنوع شرعاً وليس في الشريعة الكاملة من كتاب ولا من سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح ولا قول صحابي ما يدل على ذلك فدل على أنه لا يجوز على ملك ولا زعيم ولا غيرها.
2 ـ أن هذا العمل فيه مخالفة صريحة للشريعة المطهرة، وأمر تترتَّبُ عليه أضرار كثيرة, وتعطيل المصالح, والتّشبه بأعداء الإسلام, وهو ممنوع شرعاً.
3 ـ أنه قد مات في حياة الكريم النبي صلى الله عليه وسلم ابنه إبراهيم وبناته الثلاث رقية وأم كلثوم وزينب وعمه حمزة وأعيان آخرون في غزوة مؤتة فلم يحد عليهم ثم توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وأفضل الأنبياء وسيّد ولد آدم, والمصيبة بموته أعظم مصائب لأن بموته ينقطع خبر السماء لكونه آخر الأنبياء, ومع هذا لم يحد عليه الصحابة رضي الله عنهم ثم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو أفضل الصحابة وأشرف الخلق بعد الأنبياء فلم يحد عليه ثم قتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وهم أفضل الخلق بعد الأنبياء وبعد أبي بكر الصديق فلم يحدوا عليهم, وهكذا مات الصحابة جميعاً فلم يحد عليهم التابعون, وهكذا مات أئمة الإسلام وأئمة الهدى من التابعين ومن بعدهم كسعيد بن المسيب وعلي بن الحسن زين العَابدين وابنه محمد ابن علي وعمر بن عبد العزيز والزهري والإمام أبى حنيفة وصاحباه والإمام مالك بن أنس والأوزاعي والثوري والإمام الشافعي والإمَام أحمد بن حنبل وإسحق بن راهوية.