الأمر الثاني: أنّ الزوج لا يجب عليه التربص بوفاة زوجته وبالتالي لا يجب عليه الحداد بل له أن يتزوّج ثانية دون أن يكون منوطاً بمدة معينة, والأوّل يفيده منطوق الآية, والثاني يفيده مفهومها قال الشوكاني في شرح الآية: "ومعنى الآية {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} أي ولهم زوجات فالزوجات يتربصن بعدهم وهو كقولك: "السمن منوان بدرهم" أي منه, وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى: "وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون", وقيل: "التقدير: وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن" ذكره صاحب الكشاف وفيه "أنّ قوله: {وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً} لا يلائم ذلك التقدير؛ لأن الظاهر من النكرة المعادة المغايرة"وقال بعض النحاة من الكوفيين: "أن الخبر عن (الذين) متروك, والقصد الإخبار عن أزواجهم بأنهن يتربصن"1.

2 ـ قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشراً" فقد تضمّن هذا الحديث ثلاثة أمور:

الأمر الأول: جواز الحداد على القريب الميت وأنّ مدة ذلك ثلاثة أيام.

الأمر الثاني: الحداد على الزوج الميت أربعة أشهر وعشراً.

الأمر الثالث: هو أنَّ حكم الحداد خاص بالنساء دون الرجال, فالحديث وافق الآية الآنفة الذكر في وجه الدلالة في الأمرين الثاني والثالث, وتضمن حكماً زائداً على ما دلت عليه الآية وهو الأمر الأول.

3 ـ الإجماع:

أجمع المسلمون من عصر الصحابة -رضي الله عنهم- إلى يومنا هذا على جواز القسمين السابقين وأنّ الرجال لا يدخلون في هذا الجواز وإنما هو خاص بالنساء.

وقد عرفت قريباً عند الكلام على حكم الإحداد مزيداً من الأدلة التي تتعلق بهذا الموضوع, وحاصلها بالإضافة إلى ما قلنا هو أنّ المرأة هي التي بحاجة إلى الرجل ولذلك وجب الحداد عليها لضعفها ولفوات نعمة النكاح عليها بموت العائل الذي يصونها ويحفظها ويرعى مصالحها على حد قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} . (سورة النساء: 34) , ولهذا كان مطالباً بالإنفاق على زوجته وكسوتها وسكنها إذا لم تكن ناشزة, وهذا كله لا يوجد في الرجل ولذلك أجمع أئمة الفتوى كما بينا أكثر من مرة على أنه لا يجب الإحداد على الرجل لعدم وجود الحكمة التي من أجلها شرع الحداد فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015