ونمهد لذلك بكلمة نجمل فيها مزية المازري، فإنه لما توفي الشيخان «اللخمي» و «ابن الصائغ»، وتعين على كبير تلاميذهما: محمد المازري - أن يخلفهما في حمل لواء العلوم الشرعية في الساحل التونسي، بل في إفريقية كلها، ولم يتقلد المازري هذه الزعامة بأمر سلطاني، بل بإجماع الكلمة من أهل البلاد، فتصدر لنشر التعاليم الدينية وتدوينها، وقد أقبل على التدريس بالمهدية، والتف حوله طلاب ممتازون تلقوا عنه سند المالكية بالرواية المتوارثة الصحيحة، وحملوا عنه مصنفاته الفقهية، وأماليه في شرح الحديث والسنن، وهو يمتاز عن غيره من متقدمي الفقهاء الأعلام بأسلوبه الواضح في التعبير والتقرير، وما كتب في مسالة فقهية، أو أصدر فتوى شرعية إلا دعمها بتطبيق أقواله على قواعد الأصول، متبعًا في ذلك المنهج المنطقي، وما انتهى إلى قول من الأقوال إلا بعد أن مهد له بالحجة، وأقام عليه البرهان، وتلك طريقة مستحدثة في التأليف والتدوين العلمي الإسلامي في أثناء القرن السادس الهجري وما تلاه، وإنها لطريقة حكيمة في إثبات الحقائق، ولا سيما في الأحكام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015