وكان عبد الله بن مسعود يتغير عند ذكر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنتفخ أوداجه، ويسيل عرقه، وتدمع عيناه، ويقول: أو قريباً من هذا، أو نحو هذا، أو شبه هذا. كل ذلك خوفاً من الزيادة والنقصان، أو السهو والنسيان، واحتياطاً للدين، وحفظاً للشريعة، وحسماً لطمع طامع، أو زيغ زائغ أن يجترئ؛ فيحكي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، أو يُدْخل في الدين ما ليس منه، وليقْتَدِي بهم من يسمع منهم ويأخذ عنهم، فيقفوا أثرهم ويسلك طريقهم.
فاتَّبعهم على ذلك، جماعة من صالحي التابعين واقتفوا آثارهم واتبعوا سبيلهم في الذّب عن السنن، والبحث عن رواتها والتّوقّى في أدائها، منهم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين وعمر بن عبد العزيز وطاووس بن كيسان، ومحمد بن مسلم الزهري وأبو الزناد، وسعد بن إبراهيم، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، وشرحبيل بن السمط، وأيوب السختياني، وسليمان التيمي، وعبد الله بن عون، ويونس بن عبيد، والحكم
ابن عتيبة، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور بن المعتمر، وغيرهم.
وسلك مسلكهم وحَذَا حذوهم في ذلك طوائف من الخالفين بعدهم، منهم: مالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، ووهيب بن خالد، وسفيان بن عيينة، وزائدة، وزهير بن معاوية.
ثم ذكر خلائق من الأئمة إلى أن قال: "حتى كان في عصرنا هذا، فتأملت أحوال طالبي العلم، وكاتبي الحديث؛ فوجدتهم على الضد مما كان عليه مَن قدّمت ذكْره من الأئمة، إلا من وفقه الله تعالى منهم للصواب، ورأيت أكثر طالبيه في هذا الزمان، والغالب على إرادتهم، والظاهر من