مِنْهُمَا حَتَّى تَمْضِيَ الثَّلَاثُ كَانَ الْبَيْعُ لَازِمًا كَالْبَيْعِ بِلَا خِيَارٍ.
قَالَ: وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ مُفْلِسٍ كَانَ أَحَقَّ بِهِ إنْ شَاءَ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُفْلِسًا فَتَرَكَهُ أَوْ أَرَادَ الْغُرَمَاءُ أَخْذَهُ أَوْ غَيْرَ مُفْلِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ فَلَا أُجْبِرُهُ عَلَى مِلْكِ مَا لَا يَشَاءُ إلَّا الْمِيرَاثَ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ شَيْئًا فَرَدَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَكَانَ لِلْغُرَمَاءِ أَخْذُهُ كَمَا يَأْخُذُونَ سَائِرَ مَالِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إجَازَةُ الْبَيْعِ وَرَدُّهُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ أَحَبَّ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ أَوْ كَرِهُوا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ، وَقَعَ عَلَى عَيْنٍ فِيهَا خِيَارٌ.
قَالَ: وَلَوْ أَسْلَفَ رَجُلٌ فِي طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ بِصِفَةٍ فَحَلَّتْ وَفَلِسَ فَأَرَادَ أَخْذَهُ دُونَ الصِّفَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا لَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا لَمْ يَشْتَرِ. قَالَ: وَلَوْ أَعْطَى خَيْرًا مِمَّا سَلَّفَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا سَلَّفَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْغُرَمَاءُ؛ لِأَنَّ الْفَضْلَ هِبَةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّهِبَ، وَلَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ الْغَرِيمِ مَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا سَلَّفَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ أَخْذُهُ إذَا رَضِيَ الْغُرَمَاءُ، وَإِنْ كَرِهَ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ وَذَلِكَ فِي الْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّا لَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُخَالِفَةً غَيْرَ الزِّيَادَةِ خِلَافًا لَا تَصْلُحُ الزِّيَادَةُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ النَّقْصُ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ إذَا أَمَرَ بِالْبَيْعِ عَلَى الْمُفْلِسِ أَنْ يَجْعَلَ أَمِينًا يَبِيعُ عَلَيْهِ وَيَأْمُرَ الْمُفْلِسَ بِحُضُورِ الْبَيْعِ أَوْ التَّوْكِيلِ بِحُضُورِهِ إنْ شَاءَ وَيَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْمَبِيعُ عَلَيْهِ وَالْمَبِيعُ لَهُ أَوْ بَعْضُهُمْ بَاعَ الْأَمِينُ وَمَا يُبَاعُ مِنْ مَالِ ذِي الدَّيْنِ ضَرْبَانِ. أَحَدُهُمَا: مَرْهُونٌ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ. وَالْآخَرُ: غَيْرُ مَرْهُونٍ. فَإِذَا بَاعَ الْمَرْهُونَ مِنْ مَالِهِ دَفَعَ ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ سَاعَةَ يَبِيعُهُ إذَا كَانَ قَدْ أَثْبَتَ رَهْنَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَحَلَفَ عَلَى ثُبُوتِ حَقِّهِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ رَهْنِهِ شَيْءٌ، وَقَفَهُ وَجَمِيعُ مَا بَاعَ مِمَّا لَيْسَ بِرَهْنٍ حَتَّى يَجْتَمِعَ مَالُهُ وَغُرَمَاؤُهُ فَيُفَرَّقَ عَلَيْهِمْ. قَالَ: وَإِذَا بَاعَ الرَّجُلُ رَهْنَهُ فَعَجَزَ عَنْ مَبْلَغِ حَقِّهِ دَفَعَ إلَيْهِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِ رَهْنِهِ، وَكَانَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَلَوْ كَانَ ذُو الدَّيْنِ رَهَنَ غَرِيمَهُ رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى قَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا، وَكَانَ الْغُرَمَاءُ فِيهِ أُسْوَةً.
وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا، وَقَبَضَهُ ثُمَّ فَسَخَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ أَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا فَاسِدًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، وَكَانَ فِيهِ أُسْوَةَ الْغُرَمَاءِ. وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلَيْنِ مَعًا كَانَا كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ، وَلَوْ رَهَنَهُ رَجُلًا فَقَبَضَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ آخَرَ بَعْدَهُ فَأَعْطَى الْأَوَّلَ جَمِيعَ حَقِّهِ وَبَقِيَتْ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ بَقِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ فِيهَا إلَّا مَا لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ الْآخَرَ شَيْئًا قَدْ رَهَنَهُ فَصَارَ غَيْرَ جَائِزٍ لِأَمْرٍ فِيهِ. قَالَ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَهْنًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ وَأَفْلَسَ الرَّجُلُ الرَّاهِنُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَكُلُّ رَهْنٍ مَفْسُوخٍ بِوَجْهٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِ الْمُفْلِسِ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ غُرَمَائِهِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَحَدِهِمْ فِيهِ مَعًا أُسْوَةٌ. قَالَ: وَلَا يَجُوزُ رَهْنُ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ، وَلَا الزَّرْعِ قَائِمًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَضُ، وَلَا يُعْرَفُ، وَيَجُوزُ بَعْدَ مَا يُجَدُّ وَيُحْصَدُ فَيُقْبَضُ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَلَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ مَالَ الْغَرِيمِ حَتَّى يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ مَنْ حَضَرَ مِنْ غُرَمَائِهِ فَيَسْأَلُهُمْ فَيَقُولُ ارْتَضُوا بِمَنْ أَضَعُ ثَمَنَ مَا بِعْتُ عَلَى غَرِيمِكُمْ لَكُمْ حَتَّى أُفَرِّقَهُ عَلَيْكُمْ