الشَّافِعِيُّ) فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهَا لَهُمْ حَلَالٌ وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَأَنْتَ تُقِرُّهُمْ عَلَيْهَا؟ قُلْت: نَعَمْ، وَعَلَى الشِّرْكِ بِاَللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَذِنَ لَنَا أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى الشِّرْكِ وَاسْتِحْلَالِهِمْ شُرْبَهَا وَتَرْكِهِمْ دِينَ الْحَقِّ بِأَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ قُوَّةً لِأَهْلِ دِينِهِ وَحُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَائِمَةٌ لَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْهَا وَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيُحَرِّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَكُلُّ مَا صَادَهُ حَلَالٌ فِي غَيْرِ حَرَمٍ مِمَّا يَكُونُ بِمَكَّةَ مِنْ حَمَامِهَا وَغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّيْدِ كُلِّهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُرْمَةٌ يَمْنَعُ بِهَا نَفْسَهُ إنَّمَا يُمْنَعُ بِحُرْمَةٍ مِنْ غَيْرِهِ، مِنْ بَلَدٍ أَوْ إحْرَامِ مُحْرِمٍ أَوْ بِحُرْمَةٍ لِغَيْرِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَلَكَهُ مَالِكٌ، فَأَمَّا بِنَفْسِهِ فَلَيْسَ بِمَمْنُوعٍ.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أَحَلَّ اللَّهُ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَكَانَ طَعَامُهُمْ عِنْدَ بَعْضِ مَنْ حَفِظْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ وَكَانَتْ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى إحْلَالِ ذَبَائِحِهِمْ فَإِنْ كَانَتْ ذَبَائِحُهُمْ يُسَمُّونَهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهِيَ حَلَالٌ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ ذَبْحٌ آخَرُ يُسَمُّونَ عَلَيْهِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ اسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ يَذْبَحُونَهُ بِاسْمٍ دُونَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحِلَّ هَذَا مِنْ ذَبَائِحِهِمْ وَلَا أُثْبِتُ أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ هَكَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ ذَبَائِحَهُمْ صِنْفَانِ وَقَدْ أُبِيحَتْ مُطْلَقَةً؟ قِيلَ قَدْ يُبَاحُ الشَّيْءُ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بَعْضُهُ دُونَ بَعْضٍ فَإِذَا زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ نَسِيَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا لَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ وَهُوَ لَا يَدَعُهُ لِلشِّرْكِ كَانَ مَنْ يَدَعُهُ عَلَى الشِّرْكِ أَوْلَى أَنْ تُتْرَكَ ذَبِيحَتُهُ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لُحُومَ الْبُدْنِ مُطْلَقَةً فَقَالَ {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْمُسْلِمِينَ يَذْهَبُ إلَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ مِنْ الْبَدَنَةِ الَّتِي هِيَ نَذْرٌ وَلَا جَزَاءِ صَيْدِ وَلَا فِدْيَةٍ فَلِمَا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَتَرَكْنَا الْجُمْلَةَ، لَا أَنَّهَا خِلَافٌ لِلْقُرْآنِ وَلَكِنَّهَا مُحْتَمَلَةٌ وَمَعْقُولٌ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّا إذَا جَعَلْنَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ نَجْعَلْ عَلَيْهِ الْكُلَّ إنَّمَا جَعَلْنَا عَلَيْهِ الْبَعْضَ الَّذِي أَعْطَى فَهَكَذَا ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالدَّلَالَةِ عَلَى شَبِيهِ مَا قُلْنَا.
ِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعْدٍ الْفُلْجَةِ مَوْلَى عُمَرَ أَوْ ابْنِ سَعْدٍ الْفُلْجَةِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ " لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِحَ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينِهِمْ إلَّا بِشُرْبِ الْخَمْرِ ".
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : كَأَنَّهُمَا ذَهَبَا إلَى أَنَّهُمْ لَا يَضْبِطُونَ مَوْضِعَ الدِّينِ فَيَعْقِلُونَ كَيْفَ الذَّبَائِحُ وَذَهَبُوا إلَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ هُمْ الَّذِينَ أُوتُوهُ لَا مَنْ دَانَ بِهِ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَبِهَذَا نَقُولُ لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُ نَصَارَى الْعَرَبِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَحَلَّ ذَبَائِحَهُمْ وَتَأَوَّلَ {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] وَهُوَ لَوْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ الْمَذْهَبُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ