قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَأْتِيَ رَبُّهَا» فَقُلْنَا كُلُّ مَا كَانَ مُمْتَنِعًا بِنَفْسِهِ يَعِيشُ بِغَيْرِ رَاعِيهِ كَمَا يَعِيشُ لِلْبَعِيرِ فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَالْوَحْشُ كُلُّهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَذَلِكَ الْبَقَرَةُ الْإِنْسِيَّةُ وَبَقَرَةُ الْوَحْشِ وَالظِّبَاءُ وَالطَّيْرُ كُلُّهُ.
(قَالَ) : وَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ ثُمَّ السُّنَّةُ ثُمَّ الْآثَارُ ثُمَّ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي الْمُحْرِمَ مِنْ الصَّيْدِ شَيْءٌ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُجْزِي مَا كَانَ لَحْمُهُ مَأْكُولًا مِنْهُ وَالْبَازِي وَالصَّوَائِدُ كُلُّهَا لَا تُؤْكَلُ لُحُومُهَا كَمَا لَا تُؤْكَلُ لُحُومُ الْغِرْبَانِ فَإِنْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ بَازًا لِإِنْسَانٍ مُعَلَّمًا ضَمِنَ لَهُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي يَقْتُلُهُ بِهَا مُعَلَّمًا كَمَا يَقْتُلُ لَهُ الْعَبْدَ الْخَبَّازَ أَوْ الصَّبَّاغَ أَوْ الْكَاتِبَ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ فِي حَالِهِ الَّتِي قَتَلَهُ فِيهَا وَيَقْتُلُ لَهُ الْبَعِيرَ النَّجِيبَ وَالْبِرْذَوْنَ الْمَاشِيَ فَيَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي قَتَلَهُ فِيهَا وَلَا فِدْيَةَ فِي الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ فِدْيَةٌ وَلَوْ قَتَلَ لَهُ ظَبْيًا كَانَتْ عَلَيْهِ شَاةٌ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَقِيمَتُهُ بَالِغَةٌ مَا بَلَغَتْ لِصَاحِبِهِ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ شَاةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» فَلَا يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ ضَارٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ فَإِنْ قَتَلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَقِيمَتُهُ بَيْعُ ذَلِكَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لَا يَكُونُ إلَّا مَرْدُودًا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ كَمَا يَكُونُ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ وَمَا لَا يَحِلُّ ثَمَنُهُ بِحَالٍ مَرْدُودًا وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا هَذَا أَوْ مَا قَالَ الْمَشْرِقِيُّونَ بِأَنَّ ثَمَنَهُ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ ثَمَنُ الشَّاةِ فَأَمَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ أَصْلَهُ مُحَرَّمٌ يَرُدُّهُ إنْ قَرُبَ وَلَا يَرُدُّهُ إنْ بَعُدَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَلَا يُعْذَرُ بِهِ وَلَوْ جَازَ هَذَا لِأَحَدٍ بِلَا خَبَرٍ يَلْزَمُ جَازَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا بَعُدَ وَلَا يَرُدُّهُ إذَا قَرُبَ فَإِنْ قَالَ اسْتَحْسَنْت فِي هَذَا؟ قِيلَ لَهُ وَنَحْنُ نَسْتَحْسِنُ مَا اسْتَقْبَحْت وَنَسْتَقْبِحُ مَا اسْتَحْسَنْت وَلَا يَحْرُمُ بَيْعُ حَيٍّ مِنْ دَابَّةٍ وَلَا طَيْرٍ وَلَا نَجَاسَةٍ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُمَا نَجِسَانِ حَيَّيْنِ وَمَيِّتَيْنِ وَلَا يَحِلُّ لَهُمَا ثَمَنٌ بِحَالٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَمَنْ قَتَلَ كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ الْحَرَسِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْخَبَرَ إذَا كَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِهِ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَنٌ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَأَنَا إذَا أَغْرَمْت قَاتِلَهُ ثَمَنَهُ فَقَدْ جَعَلْت لَهُ ثَمَنًا حَيًّا وَذَلِكَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَنٌ فِي إحْدَى حَالَتَيْهِ كَانَ ثَمَنُهُ فِي الْحَيَاةِ مَبِيعًا حِينَ يَقْتَنِيهِ الْمُشْتَرِي لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ أُجَوِّزُ مِنْهُ حِينَ يَكُونُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِذَا كَانَ لَك عَلَى نَصْرَانِيٍّ حَقٌّ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ مَا كَانَ ثُمَّ قضاكه مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ تَعْلَمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَك أَنْ تَأْخُذَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَلَالُهُ وَحَرَامُهُ فِيمَا قضاكه أَوْ وَهَبَ لَك أَوْ أَطْعَمَك كَمَا لَوْ كَانَ لَك عَلَى مُسْلِمٍ حَقٌّ فَأَعْطَاك مِنْ مَالٍ غَصَبَهُ أَوْ رِبًا أَوْ بَيْعٍ حَرَامٍ لَمْ يَحِلَّ لَك أَخْذُهُ وَإِذَا غَابَ عَنْك مَعْنَاهُ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُسْلِمِ فَكَانَ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَطْعَمَك أَوْ وَهَبَ لَك أَوْ قَضَاك يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَسِعَك أَنْ تَأْخُذَهُ عَلَى أَنَّهُ حَلَالٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَالْوَرَعُ أَنْ تَتَنَزَّهَ عَنْهُ وَلَا يَعْدُو مَا أَعْطَاك نَصْرَانِيٌّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ بِحَقٍّ لَك أَوْ تَطَوُّعٍ مِنْهُ عَلَيْك أَنْ يَكُونَ حَلَالًا لَك لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَهُ إذَا كَانَ يَسْتَحِلُّهُ مِنْ أَصْلِ دِينِهِ أَوْ يَكُونُ حَرَامًا عَلَيْك بِاخْتِلَافِ حُكْمِك وَحُكْمِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَعْطَاك مِنْ ذَلِكَ تَطَوُّعًا أَوْ بِحَقٍّ لَزِمَهُ وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ حَلَالًا فَحَلَالُ اللَّهِ تَعَالَى لِجَمِيعِ خَلْقِهِ وَحَرَامُهُ عَلَيْهِمْ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَثَمَنُهُمَا مُحَرَّمَانِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ كَهُوَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَلِمَ لَا تَقُولُ إنَّ ثَمَنَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَلَالٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَنْتَ لَا تَمْنَعُهُمْ مِنْ اتِّخَاذِهِ وَالتَّبَايُعِ بِهِ؟ قِيلَ قَدْ أَعْلَمَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إلَى قَوْلِهِ {وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29] (قَالَ