وَالدِّيَاتُ عِبْرَةٌ لِأَنَّك تَقْتُلُ الرَّجُلَ بِالْمَرْأَةِ وَدِيَتُهَا نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فَلَمْ تَذْهَبْ مَذْهَبًا بِتَرْكِك الْقِصَاصَ بَيْنَ الْعَبِيدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا قَتَلْت الْعَبْدَ بِالْعَبْدِ كَانَ أَنْ يَتْلَفَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ أَقَلَّ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَثْمَانُهُمْ مَعَ مَا يَلْزَمُك مِنْ هَذَا الْقَوْلِ قَالَ وَمَا يَلْزَمُنِي بِقَوْلِي هَذَا؟ قُلْت أَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى مَنْ قَتَلَ الْحُرَّ مِنْ الْإِثْمِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ عَلَيْهِ فَرْضُ اللَّهِ وَلَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ وَلَا تَزْعُمُ هَذَا فِيمَنْ قَتَلَ بَعِيرًا أَوْ حَرَقَ مَتَاعًا وَتَزْعُمُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ حَلَالًا وَحَرَامًا وَحُدُودًا وَفَرَائِضَ وَلَيْسَ هَذَا عَلَى الْبَهَائِمِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ عَلَى عِبَادِهِ حُكْمَيْنِ حُكْمًا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إنْ أُثَابَهُمْ وَعَاقَبَهُمْ عَلَى مَا أَسَرُّوا كَمَا فَعَلَ بِهِمْ فِيمَا أَعْلَنُوا وَأَعْلَمَهُمْ إقَامَةً لِلْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَبَيَّنَهَا لَهُمْ أَنَّهُ عَلِمَ سَرَائِرَهُمْ وَعَلِمَ عَلَانِيَتَهُمْ فَقَالَ {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7] وَقَالَ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] وَخَلْقُهُ لَا يَعْلَمُونَ إلَّا مَا شَاءَ عَزَّ وَجَلَّ وَحَجَبَ عِلْمَ السَّرَائِرِ عَنْ عِبَادِهِ وَبَعَثَ فِيهِمْ رُسُلًا فَقَامُوا بِأَحْكَامِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَأَبَانَ لِرُسُلِهِ وَخَلْقِهِ أَحْكَامَ خَلْقِهِ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا أَظْهَرُوا وَأَبَاحَ دِمَاءَ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنْ خَلْقِهِ فَقَالَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وَحَرَّمَ دِمَاءَهُمْ إنْ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فَقَالَ {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] وَقَالَ {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلا خَطَأً} [النساء: 92] وَقَالَ {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] فَجَعَلَ حِينَئِذٍ دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ مُبَاحَةً وَقِتَالَهُمْ حَتْمًا وَفَرْضًا عَلَيْهِمْ إنْ لَمْ يُظْهِرُوا الْإِيمَانَ
، ثُمَّ أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ مَا يُخْفُونَ خِلَافَ مَا يُعْلِنُونَ فَقَالَ {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} [التوبة: 74] وَقَالَ {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ} [التوبة: 95] مَعَ مَا ذَكَرَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ قَتْلَهُمْ إذَا أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَاكَحَةَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مُوَارَثَتَهُمْ (قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) : وَرَأَيْت مِثْلَ هَذَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ» «وَقَالَ الْمِقْدَادُ أَرَأَيْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ مُشْرِكًا قَاتَلَنِي فَقَطَعَ يَدِي، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَأَسْلَمَ أَفَأَقْتُلُهُ؟ قَالَ لَا تَقْتُلْهُ»
وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ} [النور: 6] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} [النور: 8] الْآيَةَ فَحَكَمَ بِالْأَيْمَانِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ يَعْلَمُ مِنْ الْمَرْأَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ الْأَجْنَبِيُّونَ وَدَرَأَ عَنْهُ وَعَنْهَا بِهَا عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا كَاذِبٌ وَحَكَمَ فِي الرَّجُلِ يَقْذِفُ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَنْ يُحَدَّ إنْ لَمْ يَأْتِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى مَا قَالَ وَلَاعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَامْرَأَتِهِ بِنَفْيِ زَوْجِهَا وَقَذْفِهَا بِشَرِيكِ بْنِ السَّحْمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرُوهَا، فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ - يَعْنِي الْوَلَدَ - أَسْحَمَ أَدْعَجَ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلَا أَرَاهُ إلَّا صَدَقَ» وَتِلْكَ صِفَةُ شَرِيكٍ الَّذِي قَذَفَهَا بِهِ زَوْجُهَا وَزَعَمَ أَنَّ حَبَلَهَا مِنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحِرَةٌ فَلَا أَرَاهُ إلَّا كَذَبَ عَلَيْهَا» وَكَانَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ صِفَةَ زَوْجِهَا فَجَاءَتْ بِهِ يُشْبِهُ شَرِيكَ ابْنَ السَّحْمَاءِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلَا مَا حَكَمَ اللَّهُ» أَيْ لَكَانَ لِي فِيهِ قَضَاءٌ غَيْرُهُ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِبَيَانِ الدَّلَالَةِ بِصِدْقِ زَوْجِهَا فَلَمَّا كَانَتْ الدَّلَالَةُ لَا تَكُونُ عِنْدَ الْعِبَادِ إحَاطَةً دَلَّ ذَلِكَ عَلَى إبْطَالِ كُلِّ مَا لَمْ يَكُنْ إحَاطَةً عِنْدَ الْعِبَادِ مِنْ الدَّلَائِلِ إنْ لَمْ يُقِرُّوا بِهِ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ تَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُؤْخَذَ لَا يُؤْخَذُ بِدَلَالَةٍ «وَطَلَّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدٍ يَزِيدَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ