دَيْنِهِ فَلَا يَرْجِعُ إلَى أَجَلِهِ وَإِنْ وَجَدْته قَائِمًا بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْحُكْمَ نَفَذَ فِيهِ وَمَا وَجَدْت فِي أَيْدِي وَرَثَتِهِ رَدَدْته لِأَنَّهُ مَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَقُلْت لَهُ إنَّمَا حَكَمْت فِي جَمِيعِ مَالِهِ الْحُكْمَ فِي مَالِ الْمَيِّتِ فَكَيْف أَنَفَذْت بَعْضًا وَرَدَدْت بَعْضًا؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلْ أَنْفَذَ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ عَلَيْهِ فِي حَاجَتِهِ وَيَرِثُهُمْ وَلَا أَنْفَذَ لِغُرَمَائِهِ وَلَا مُدَبَّرِيهِ وَلَا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ أَلَا يَكُونُ أَقْرَبَ إلَى أَنْ يَكُونَ أَعْقَلَ بِشَيْءٍ مِنْك وَإِنْ كَانَ هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ؟ .
(قَالَ) : وَقُلْت لَهُ أَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُؤْمِنًا؟ قَالَ بَلْ كَافِرٌ قُلْت فَقَدْ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فَكَيْفَ وَرَّثْت الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ؟ قَالَ قَدْ كَانَتْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ مَاتَ بَعْضُ وَلَدِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ أَتُوَرِّثُهُ مِنْهُ؟ قَالَ لَا لِأَنَّهُ كَافِرٌ قُلْت مَا أَبْعَدَك وَاَللَّهُ يُصْلِحُنَا وَإِيَّاكَ مِنْ أَنْ تَقِفَ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِ نَفْسِك أَوْ تَتَّبِع السُّنَّةَ إنْ زَعَمْت أَنَّ إنْ ثَبَتَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ حَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنْ يُورَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرِثَ وَإِنْ زَعَمْت أَنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ الْإِسْلَامِ مَنَعَهُ ذَلِكَ ثُمَّ حَوَّلَ حُكْمَهُ حَتَّى صِرْت تَقْتُلُهُ وَتَجْعَلُهُ فِي أَسْوَأِ مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُحَارِبِينَ لِأَنَّ لَك أَنْ تَدَعَهُمْ مِنْ الْقَتْلِ وَلَيْسَ لَك تَرْكُهُ مِنْهُ فَكَيْفَ وَرَّثْت مِنْهُ مُسْلِمًا وَهُوَ كَافِرٌ؟
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ أَوْ قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَقُولُ بِقَوْلِهِ أَوْ هُمَا إنَّمَا أَخَذْنَا بِهَذَا أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَتَلَ مُرْتَدًّا وَأَعْطَى وَرَثَتَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِيرَاثَهُ فَقُلْت لَهُ سَمِعْت مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ مِنْكُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ الْحُفَّاظَ لَمْ يَحْفَظُوا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَسْمَ مَالِهِ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَخَافُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي زَادَ هَذَا غَلَطٌ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت أَصْلَ مَذْهَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَلَيْسَ إذَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مَعَهُ حُجَّةٌ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ» فَكَيْفَ خَالَفْته؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْكَافِرَ الَّذِي لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ فَقُلْت لَهُ أَفَتَرَى فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةً عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ قَدْ يَحْتَمِلُ قُلْت فَإِنْ جَازَ هَذَا لَك لَمْ يَجُزْ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ الْمُرْتَدُّ يَرِثُ وَلَدَهُ وَزَوْجَتَهُ لَوْ مَاتُوا مُسْلِمِينَ وَهُوَ فِي رِدَّتِهِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمِيرَاثِ قَالَ مَا أَقُولُ بِهَذَا قُلْت أَجَلْ وَلَا أَنْ تُحَوِّلَ الْحَدِيثَ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ فِيهِ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَمَّنْ الْحَدِيثُ عَنْهُ. وَلَوْ جَازَ جَازَ أَنْ يُقَالَ هَذَا فِي أَهْلِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَاصَّةً.
فَأَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَيَرِثُهُمْ الْمُسْلِمُونَ كَمَا يَنْكِحُونَ نِسَاءَهُمْ قَالَ فَإِنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لِشَيْءٍ رَوَيْته عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَعَلَّ عَلِيًّا قَدْ عَلِمَ قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قُلْت أَفَعَلِمْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَى ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَقُولُ قَدْ رَوَاهُ وَلَمْ تَقُلْ ذَلِكَ إلَّا بِعِلْمٍ؟ قَالَ مَا عَلِمْت قُلْت فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُون عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَسْمَعْهُ؟ قَالَ نَعَمْ وَهُوَ يُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَهَبَ عَلَيْهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) : - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقِيلَ لَهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ كَلَّمْتُمُونَا عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ فَلَمْ يَكُنْ لَك فِيهِ حُجَّةٌ وَيُعَادُ عَلَيْك بِأَكْثَرَ مِنْ حُجَّتِك فَإِنْ كَانَتْ فِيهَا حُجَّةٌ لَزِمَك مَا زَعَمْت أَنَّهُ يَلْزَمُك وَغَيْرُك وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ اسْتَدْلَلْت عَلَى أَنَّك لَمْ تَحْتَجَّ بِشَيْءٍ تَجُوزُ الْحُجَّةُ بِهِ قَالَ وَمَا هُوَ؟ قُلْت رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَرَّثَ مُسْلِمًا مِنْ كَافِرٍ أَحْسِبُهُ ذِمِّيًّا وَرُوِيَ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ وَرَّثَ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ وَلَمْ يُوَرِّثْ الْكَافِرَ مِنْ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رِجَالًا مَنَعَهُمْ مِنْ الْإِسْلَامِ أَنْ يُحْرَمُوا مَوَارِيثَ آبَائِهِمْ وَأَعْجَبَ مَسْرُوقُ بْنُ الْأَجْدَعِ وَقَالَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ نَرِثُهُمْ وَلَا يَرِثُونَا كَمَا يَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهُوَ يَجُوزُ عَلَيْك أَنْ يُقَالَ لَمْ يَذْهَبْ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ مَعَهُ مَنْ سَمَّيْنَا وَغَيْرَهُمْ