لِلْإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ خُمُسَ مَا حُصِّلَ بَعْدَمَا وَصَفْنَا كَامِلًا وَيُقِرَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَيَحْسِبَ مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ وَيَعْرِفَ مَنْ حَضَرَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَغَيْرِ الْبَالِغِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ النِّسَاءِ فَيُنَفِّلُهُمْ شَيْئًا فَمَنْ رَأَى أَنْ يُنَفِّلَهُمْ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لَهُمْ نَفَّلَهُمْ وَسَيُذْكَرُ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ يَعْرِفُ عَدَدَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ مِنْ بَالِغِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ حَضَرُوا الْقِتَالَ فَيَضْرِبُ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا فَيُسَوِّي بَيْنَ الرَّاجِلِ وَالرَّاجِلِ فَيُعْطَيَانِ سَهْمًا سَهْمًا وَيَفْضُلُ ذُو الْفَرَسِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ إلَى اتِّخَاذِ الْخَيْلِ فَقَالَ: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] الْآيَةَ، فَأَطَاعَ فِي الرِّبَاطِ وَكَانَتْ عَلَيْهِ مُؤْنَةٌ فِي اتِّخَاذِهِ وَلَهُ غَنَاءٌ بِشُهُودِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ الرَّاجِلُ شَبِيهًا بِهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرَبَ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ بِسَهْمٍ» فَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى فَرَسٌ إلَّا سَهْمًا وَفَارِسٌ سَهْمًا، وَلَا يَفْضُلُ فَرَسٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَذْهَبُ مَذْهَبَهُ: هُوَ كَلَامٌ عَرَبِيٌّ، وَإِنَّمَا يُعْطِي الْفَارِسَ بِسَبَبِ الْقُوَّةِ وَالْغَنَاءِ مَعَ السُّنَّةِ وَالْفَرَسُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا إنَّمَا يَمْلِكُهُ فَارِسُهُ، وَلَا يُقَالُ لَا يَفْضُلُ فَرَسٌ عَلَى مُسْلِمٍ وَالْفَرَسُ بَهِيمَةٌ لَا يُقَاسُ بِمُسْلِمٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا قَالَ صَاحِبُك لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ فَرَسٍ وَمُسْلِمٍ، وَفِي قَوْلِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَالْآخَرُ قِيَاسُهُ الْفَرَسَ بِالْمُسْلِمِ، وَهُوَ لَوْ كَانَ قِيَاسًا لَهُ دَخَلَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَدْ سَوَّى فَرَسًا بِمُسْلِمٍ وَقَالَ: بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِقَوْلِنَا فِي سُهْمَانِ الْخَيْلِ وَقَالَ: هَذِهِ السُّنَّةُ الَّتِي لَا يَنْبَغِي خِلَافُهَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَأَحَبُّ الْأَقَاوِيلِ إلَيَّ وَأَكْثَرُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْمَقَارِيفِ يُسْهَمُ لَهَا سَهْمَانِ الْعَرَبِيَّةِ وَلِأَنَّهَا قَدْ تُغْنِي غَنَاءَهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ وَاسْمُ الْخَيْلِ جَامِعٌ لَهَا، وَقَدْ قِيلَ: يَفْضُلُ الْعَرَبِيُّ عَلَى الْهَجِينِ، وَإِذَا حَضَرَ الرَّجُلُ بِفَرَسَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يُسْهَمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِاثْنَيْنِ جَازَ أَنْ يُسْهَمَ لِأَكْثَرَ، وَهُوَ لَا يُلْفَى أَبَدًا إلَّا عَلَى وَاحِدٍ، وَلَوْ تَحَوَّلَ عَنْهُ كَانَ تَارِكًا لَهُ آخِذَهُ لِمِثْلِهِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَيْسَ فِيمَا قُلْت مِنْ أَنْ لَا يُسْهَمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ، وَلَا خِلَافَهُ خَبَرٌ يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَفِيهِ أَحَادِيثُ مُنْقَطِعَةٌ أَشْبَهَهَا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْمَغْنَمِ بِأَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا فِي ذِي الْقُرْبَى.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : يَعْنِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِسَهْمِ ذِي الْقُرْبَى سَهْمِ صَفِيَّةَ أُمِّهِ، وَقَدْ شَكَّ سُفْيَانُ أَحَفِظَهُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى سَمَاعًا، وَلَمْ يَشُكَّ سُفْيَانُ أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى هُوَ، وَلَا غَيْرُهُ مِمَّنْ حَفِظَهُ عَنْ هِشَامٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَحَدِيثُ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ «أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَمْسَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَأَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسِهِ» ، وَلَوْ كَانَ كَمَا حَدَّثَ مَكْحُولٍ أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ فَأَخَذَ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ كَانَ وَلَدُهُ أَعْرَفَ بِحَدِيثِهِ وَأَحْرَصَ عَلَى مَا فِيهِ زِيَادَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) :، وَلَا يُسْهَمُ لِرَاكِبِ دَابَّةٍ غَيْرِ الْفَرَسِ لَا بَغْلٍ، وَلَا حِمَارٍ، وَلَا بَعِيرٍ، وَلَا فِيلٍ، وَلَا غَيْرِهِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَعَاهَدَ الْخَيْلَ فَلَا يُدْخِلَ إلَّا شَدِيدًا، وَلَا يُدْخِلَ حَطِمًا، وَلَا قَحْمًا ضَعِيفًا، وَلَا ضَرْعًا، وَلَا أَعْجَفَ رَازِحًا فَإِنْ غَفَلَ فَشُهِدَ رَجُلٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ، فَقَدْ قِيلَ: لَا يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهَا غَنَاءُ الْخَيْلِ الَّتِي أَسْهَمَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ نَعْلَمْهُ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ فِيمَا مَضَى عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَّوَابِّ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَلَوْ قَالَ: رَجُلٌ أُسْهِمُ لِلْفَرَسِ كَمَا أُسْهِمُ لِلرَّجُلِ، وَلَمْ يُقَاتِلْ كَانَتْ شُبْهَةً وَلَكِنْ فِي الْحَاضِرِ غَيْرُ الْمُقَاتِلِ الْعَوْنُ بِالرَّأْيِ وَالدُّعَاءِ وَإِنَّ الْجَيْشَ قَدْ يُنْصَرُونَ بِأَضْعَفِهِمْ وَأَنَّهُ قَدْ لَا يُقَاتِلُ، ثُمَّ يُقَاتِلُ، وَفِيهِمْ مَرْضَى فَأُعْطِي سَهْمَهُ سُنَّةً وَلَيْسَتْ فِي فَرَسِ ضَرْعٍ، وَلَا قَحْمٍ، وَلَا وَاحِدٍ مِمَّا وَصَفْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) : وَإِنَّمَا أُسْهِمَ لِلْفَارِسِ بِسَهْمِ فَارِسٍ إذَا حَضَرَ شَيْئًا مِنْ الْحَرْبِ فَارِسًا قَبْل أَنْ تَنْقَطِعَ الْحَرْبُ فَأَمَّا إنْ كَانَ فَارِسًا إذَا