ويُحمَلَ على أبعدِ المحاملِ بلطافةِ الوَهْمِ وسَعَةِ التخيُّل، ويُرْكَبَ في تقريرِ الآراءِ الصَّعبُ والذَّلُول، ويُعْمَلَ مِنَ التأويلات ما تنفِرُ عنه النفوسُ وتَستنكِرُه العقول، فذلك عندنا مِنْ أردأ مذهبٍ وأسوأ طريقة، ولا يُعتقدُ أنَّه تحصُلُ معه النصيحةُ للدِّين على الحقيقة، وكيف يقعُ أمرٌ مع رُجحانِ مُنَافيه؟ وأنَّى يَصِحُّ الوزنُ بميزانٍ مالَ أحدُ الجانبين فيه؟ ومتى يُنْصِفُ حاكمٌ ملكَتْهُ غَضَبِيةُ العصبيةِ؟ وأينَ يقعُ الحقُّ مِنْ خاطرٍ أخذتْة العزَّةُ بالحَمِيَّة؟ وأنَّى يُحْكَمُ بالعدل عند تعادُلِ الطَّرفَين، ويظهرُ الجَوْرُ عند تَقايُلِ المُتَحرِّفَين؟! (?)
هذا، وإنَّ كتابَ "الإلمام بأحاديث الأحكام" للإمام المُجتهد المُجدِّد ابنِ دّقيق العيد -رحمه اللَّه- لا نظيرَ له في الكتبِ المصنَّفةِ في الأحكام الجامعةِ بينَ الحلالِ والحرام، بل هو مِنْ أجلِّ ما صُنِّفَ في بابه، يحفظُه المُبتدِئ المُستفيد، ويُناظِرُ فيه الفقيهُ المُفِيد (?).
* وقد شَرَطَ فيه -رحمه اللَّه- أن لا يورِدَ إلا حديثَ مَنْ وَثَّقه إمامٌ مِنْ مُزكِّي رُواةِ الأَخبار، وكانَ صحيحًا على طَريقةِ بعضِ أَهْلِ الحديث الحُفَّاظ، أو بعضِ أئمةِ الفُقهاء النظَّار، وقد اعتبرَ -رحمه اللَّه- هذا الشَّرطَ، ولم يشترِط الاتفاقَ مِنَ الطائفتين، لأنَّ ذلك الاشتراطَ يَضِيقُ به الحالُ جدًّا، ويوجِبُ تعذُّرَ الاحتجاجِ بكثيرٍ مما ذكرهُ الفقهاءُ، لعسرِ الاتفاق على وجودِ الشُّروط المتَّفقِ عليها، ولأنَّ الفقهاءَ قد اعتادوا أنْ يحتجُّوا بما هو نازِلٌ عن هذه