فالإمام اللكنوي يقرر أن الأئمة يفرقون بين قولهم:" منكر الحديث "، وبين قولهم:" يروي المناكير "، ثم ساق أقوال الأئمة التي قد يؤيد ظاهرها منحاه، ثم قال:" يجب عليك أن تتثبت، وتفهم أن المنكر إذا أطلقه البخاري على الراوي فهو ممن لا تحل الرواية عنه، وأما إذا أطلقه أحمد ومن يحذو حذوه، فلا يلزم أن يكون الراوي ممن يحتج به، وأن تفرق بين روى المناكير، أو يروي المناكير أو في حديثه نكارة، ونحو ذلك، وبين قولهم: منكر الحديث، ونحو ذلك، بأن العبارة الأولى لا تقدح الراوي قدحا يعتد به، والأخرى تجرحه جرحا معتدا به ... . " (?).
وتعقبه الدكتور محمد حوى:"لقد تضمن كلام اللكنوي جملة من القواعد خطيرة الشأن في ميدان علم النقد الحديثي، إذ أنه إذا سلمت من النقد فستكون النظرة مختلفة لكثير من الأحاديث التي ضعفت لقول العلماء فيها: منكر الحديث، أو يروي المناكير، كالأمام أحمد ولا أجد ميدان بحثي هذا يتسع لبسط هذه المسألة، فأنني على ضوء ما لرأيته من خلال دراستي لألفاظ الأمام البخاري أتوقف في تأييد ما قرره - رحمه الله تعالى، إذ أن مثل هذه القضايا الهامة جدا لا تقرر على ضوء بعض الأمثلة التي قد تكون استثناء، أو من قبيل تعدد وجهات النظر في الراوي الواحد، بل لابد من استقراء تام " (?).
وقد فرق المعلمي اليماني بين: " يروي المناكير " و" في حديثه مناكير " فقال:"وبين العبارتين فرق عظيم، " يروي المناكير ": يقال في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة ولا ذنب له في النكارة، بل الحمل فيها على من فوقه فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي، الذين لا يحدثون مما سمعوا ألا بما لا نكارة فيه ومعلوم أن هذا ليس بجرح وقولهم: " في حديثه مناكير " كثيرا ما تقال فيمن تكون النكارة من جهته جزما أو احتمالا فلا يكون ثقة " (?).
وهكذا تجدك أمام هذا الإشكال، والسبب: هو أن الأحكام لم تبن على استقراء عملي تام في كتب المتقدمين، وأقصى ما صنع هو دراسة نماذج فقط، وهذا لا يدفع الإشكال لأنه أما أن يكون من قبيل الإستثناء، أو من قبيل تعدد وجهات النظر في الراوي الواحد (?).
ومن خلال هذا المنهج، أعني الإستقراء التطبيقي، خرج الدكتور محمد حوى بتيجه تتعلق بمنهجية الإمام البخاري في مراده من هذه المصطلحات: أنه " لا يرى كبير فرق في التعبير بين العبارتين " (?).