بشرية - إلاّ من رحم - من الهمِّ بفعل يعتبره الشارع معصية يستحق فاعلها عقوبة في الدنيا أو في الآخرة إذا تحقق فعلها منه، وفي الحديث عن ابن عباس يرفعه: "ما مِنْ أَحدٍ مِنْ وَلَدِ آدم ألاّ قد أَخْطأ أو همَّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا" 1.

وخواطر الإنسان، وأفكاره، وهواجسه لا تقف عند قَدْرٍ، ولا تحدها حدود، فلا يشعر الإنسان إلاّ وقد حلَّقت به أفكاره بعيداً عن مكان وجود بدنه، ويتصور، ويتخيل شتى الصور والخيالات، المألوفة، وغير المألوفة، المباحة، وغير المباحة.

وقد تُحَرِّك في نفسه بعض تلك الصور المُتَخَيَّلَة نوعاً من الرغبة في نيلها، والاستمتاع بها، فيتدرج مع خياله في سبل تحقيقها حتى يكتمل في ذهنه مُحققاً، وواقعاً ملموساً، قد ذلل بقدرته على التصور كل العقبات المحتملة دونه، فينزع إلى التنفيذ ويهم بالمباشرة، وتبرز عندئذٍ (الإرادة) فيْصَلاً بين التنفيذ أو الإحجام.

فإن هو سعى في طلب ما نزعت إليه نفسه بنيَّة تحقيقه، في قوة مركَّبة من شهوة، وخاطر، وأمل، واتخذ حيال ذلك الوسائل، والوسائط، والسبل، وأجرى في نفسه مشهداً تجريبياً، تجري فصوله مثال الواقع، فاستهواه واستساغه، وشجعه بجعله واقعاً ملموساً، فهو قد أراد إرادة أكيدة في تحقيق ونيل ما سعى إليه، وتسمى تلك الإرادة المؤكدة (عزيمة) ، فإن تم له ما أراد تقرر في حقه الثواب أو العقاب، وإذا حال دون تحقيق إرادته مانعٌ لا يقوى على تذليله، وبقيت معه تلك الإرادة المؤكدة تراوده إلى فعل ما أراد حال تمكُّنه، يسمى فعله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015