الله الحرام، ولا يقال: مسجد الله الحرام، لأن المساجد لا تكون إلاَّ لعبادة الله وحده، ولا يُقبل عمل فيها إلاّ لله، وهي بمعنى السجود: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن/18] ، بينما البيوت تطلق على أماكن العبادة وغيرها.
وسمِّيت أرض مكة حرماً من أجل ما حُرِّم فيها من عضد الشجر وتنفير الصيد، وغيرهما مما اختصت به دون غيرها من بقاع الأرض، والحُرْمَةُ ما لا يَحِلُّ انتهاكُه، ويقال: هُوَ ذو مَحْرَمٍ منها، إذا لم يَحِلّ له نِكاحُها. وحَريم البِئْر وغَيْرِها: ما حولها من مرافقها، وحقوقها1.
فقرية مكة: هي حريم المسجد الحرام، وهي له كسياج تحيط به، تحول بين هوانه ممن لا يعظمه في نفسه، ويعمل على إهانته، والنيل منه، بعبادة ربه بما لم يُشَرِّعه لعباده للتقرب إليه وطاعته، كالمشركين يعبدون الأوثان، ويستغيثون بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فأولئك لو تمكنوا من دخول مكة - الحرم الآمن - لتمكنوا من دخول المسجد الحرام بطريقة أو بأخرى "كالراعي يرعى حول الحمى"، فقطعاً لدابر مثل هذا الاحتمال حُظِر عليهم دخول أرض مكة كلِّها، وبالتالي دخول بيت الله الحرام، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/28] .
وقد كان من المشركين أربابُ تجارة، يعتادون مكة بأصنافٍ منها، ينتفع بها المسلمون، الذين منهم من اغتمَّ عند نزول صدر الآية الكريمة، خشية الفقر عند انقطاع موارد الرزق، حتى إذا نزل عجزها اطمأنت نفوس المسلمين.
قال ابن حجر: والآية صريحة في منعهم دخول المسجد الحرام، ولو لم