على المروة فقال: ((لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرةً، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحلّ وليجعلها عمرةً)) فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فشبّك رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أصابعه واحدةً في الأخرى، وقال: ((دخلت العمرة في الحجّ)) مرّتين ((لا، بل لأبد أبد)) وقدم عليّ من اليمن ببدن النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فوجد فاطمة رضي الله عنها ممّن حلّ ولبست ثيابًا صبيغًا واكتحلت فأنكر ذلك عليها. فقالت: إنّ أبي أمرني بهذا. قال: فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- محرّشًا على فاطمة للّذي صنعت مستفتيًا لرسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فيما ذكرت عنه، فأخبرته أنّي أنكرت ذلك عليها.
فقال: ((صدقت صدقت، ماذا قلت حين فرضت الحجّ))؟ قال: قلت: اللهمّ إنّي أهلّ بما أهلّ به رسولك، قال: فإنّ معي الهدي، فلا تحلّ. قال: فكان جماعة الهدي الّذي قدم به عليّ من اليمن والّذي أتى به النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- مائةً.
قال: فحلّ النّاس كلّهم وقصّروا إلا النّبيّ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ومن كان معه هدي، فلمّا كان يوم التّروية توجّهوا إلى منًى، فأهلّوا بالحجّ، وركب رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فصلّى بها الظّهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثمّ مكث قليلاً حتّى طلعت الشّمس، وأمر بقبّة من شعر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ولا تشكّ قريش إلا أنّه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهليّة، فأجاز رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حتّى أتى عرفة فوجد القبّة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتّى إذا زاغت الشّمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادي فخطب النّاس وقال: ((إنّ دماءكم، وأموالكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم