يهجر حتى ينتهي عن إظهار بدعته، ومن هجْره ألاّ يؤخذ عنه العلم، ولا يستشهد.
وكذلك تنازع الفقهاء في الصلاة خلف أهل الأهواء والفجور، منهم من أطلق المنع، والتحقيق أن الصلاة خلفهم لا ينهى عنها لبطلان صلاتهم في نفسها، لكن لأنّهم إذا أظهروا المنكر استحقوا أن يهجروا، وألاّ يقدموا في الصلاة على المسلمين، ومن هذا الباب ترك عيادتهم، وتشييع جنائزهم، كل هذا من باب الهجر المشروع في إنكار المنكر للنهي عنه.
وإذا عرف أن هذا من باب العقوبات الشرعية علم أنه يختلف باختلاف الأحوال من قلة البدعة وكثرتها، وظهور السنة وخفائها، وأن المشروع هو التأليف تارة، والهجران أخرى، كما كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يتألف أقوامًا من المشركين، ومن هو حديث عهد بالإسلام، ومن يخاف عليه الفتنة، فيعطى المؤلفة قلوبهم ما لا يعطي غيرهم. وقال في الحديث الصحيح: ((إني أعطي رجالاً والذي أدع أحبّ إليّ من الذي أعطي، أعطي رجالاً لما في قلوبهم من الهلع والجزع، وأدع رجالاً لما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير، منهم: عمرو بن تغلب)). وقال: ((إني لأعطي الرّجل وغيره أحبّ إليّ منه، خشية أن يكبّه الله في النّار على وجهه)). أو كما قال.
وكان يهجر بعض المؤمنين، كما هجر الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لأن المقصود دعوة الخلق إلى طاعة الله بأقوم طريق، فيستعمل الرغبة حيث تكون أصلح، والرهبة حيث تكون أصلح، ومن عرف هذا تبين له أن من رد الشهادة والرواية مطلقًا من أهل البدع المتأولين، فقوله